سليمان شفيق
ويصا واصف محطم السلاسل من سوهاج وسينوت حنا الذي فدي النحاس اسيوطي:
في جنازة سينوت قال النحاس : سينوت ابن سعد وصفية
وفي جنازة ويصا واصف هتف المصريين : ( اشكى الظلم لسعد يا ويصا...) وكأن الاثنين فى الجنة.
في مئوية ثورة 1919 ، كان لابد ان نتذكر اثنين من اكبر اذرع الوفد والبرلمان المصري علي مر العصور وهما ويصا واصف "محطم السلاسل" ، وسينوت حنا الذي فدي النحاس من الموت .
ويصا واصف ،صعيدى من مواليد طهطا سوهاج، بدأ مشواره الوطنى بمقالات فى جريدة مصطفى كامل «اللواء»، واقترب الشاب ويصا من الزعيمين مصطفى كامل ومحمد فريد.. ويقول المؤرخ عبدالرحمن الرافعى: إن ويصا اختير فى اللجنة الإدارية للحزب الوطنى ضمن ثلاثين عضوًا بارزًا.... وأصبح ويصا واصف من قادة الحزب الوطنى إلى جانب الزعماء الكبار للحزب، إلا أنه بعد اختلال العلاقة بالحزب، وتضاربت التيارات بين تيار «مصر للمصريين» الذى كان يتزعمه أحمد لطفى السيد، وتيار عبدالعزيز جاويش الذى كان يدعو إلى أن تكون مصر للعثمانيين، وأدى هذا الانقسام إلى خروج عدد من العناصر المهمة من الحزب ومنهم ويصا واصف الذى استقال من الحزب عام 1908 بعد ستة أشهر من رحيل مصطفى كامل، بل ووقف ويصا واصف ضد المؤتمر القبطى 1911، حتى أن البعض لقبه ب «يهوذا الاسخريوطى»؟!!
وأثبتت الأيام صدق وجهة نظر ويصا واصف، خاصة بعد انضمامه للوفد وقيام ثورة 1919
يعد ويصا باشا واصف، أول قبطى يترأس البرلمان المصرى فى فترتين (20 مارس 1928-18 يوليو 1928) و(11 يناير 1930-21 أكتوبر 1930)، وذلك فى عهد الملك فؤاد الأول، ليكون أول قبطى يتولى رئاسة البرلمان منذ نشأت الحياة النيابية فى مصر فى عام 1866، والذى شغل منصب وكيل لمجلس النواب فى حياة سعد باشا زغلول ورئيس له فى حياة مصطفى باشا النحاس.
كان دستور 1923 هو مفتاح السر لنضال المصريين من كل الطبقات.. هكذا يؤكد لنا د.عاصم الدسوقى، وفى اليوم الذى قبل فيه الملك فؤاد استقالة وزارة النحاس باشا عهد إلى إسماعيل صدقى تأليف الوزارة الجديدة، وكانت النية مبيتة عند تأليف الوزارة على إلغاء الدستور، وتلك كانت أمنية السراى فى ذلك العهد منذ وضع دستور 1923 وقد تحققت بعضها من قبل بأن عطلت الحياة الدستورية فعلا فى عهد وزارة زيور، ثم أوقف الدستور فى عهد وزارة محمد محمود وبعد أن قطعت مفاوضات النحاس-هندرسن، ونقم الإنجليز من حكومة الوفد بعد أن رفضت التوقيع على مشروع المعاهدة فرأت السراى ورأى معها الوصوليون والرجعيون أن الفرصة سانحة لإهدار حقوق الأمة الدستورية من جديد فتألفت وزارة إسماعيل صدقى على هذا الأساس،وكان تأليفها تحديا للشعب،واستهانة بحقوق الأمة، ويستطرد د.الدسوقى: بدأت الوزارة عملها بتأجيل انعقاد البرلمان شهرا من يوم 21 يونيه ,1930 تماما مثلما فعلت وزارة زيور باشا 1924 ووزارة محمد محمود ,1928 ويضيف المؤرخ عبدالرحمن الرافعى فى (الجزء الثانى- فى أعقاب الثورة المصرية ثورة 1919 ):
وقد أراد النواب والشيوخ أن يجتمعوا فى البرلمان يوم 23 يونيه، وهو اليوم الذى كان محددا من قبل لانعقاد الجلسة، واتفق عدلى باشا رئيس مجلس الشيوخ والأستاذ ويصا واصف رئيس مجلس النواب على أن مرسوم التأجيل يجب أن يتلى على الشيوخ والنواب فى المجلسين، ولكن الوزارة اعترضت على ذلك، ولكن رئيسى المجلسين حددا يوم 21 يوليو أى بعد إنهاء فترة التأجيل، فطلب صدقى باشا من الأستاذ ويصا واصف أن يعطيه عهدا بألا يتكلم أى عضو من أعضاء مجلس النواب بعد تلاوة المرسوم، فرأى الأستاذ ويصا واصف فى هذا الطلب تدخلا فى شئون المجلس، وغضا من كرامته، ورفض إعطاء هذا العهد، فأرسل إليه صدقى باشا (يوم 23 يونيه) كتابا يصر فيه على أن يصله هذا العهد قبل الساعة الواحدة بعد ظهر اليوم ,وبدت فى كتابه لهجة التهديد والوعيد فلم يسع الأستاذ ويصا واصف إلا الرد بجواب مشرف رفض فيه طلب صدقى، فما كانت من الحكومة سوى أن أغلقت أبواب البرلمان، ووضعت حوله قواتها المسلحة، وربطت بابه الخارجى بسلاسل من حديد، وتقدم ويصا واصف وأمر بوليس البرلمان بتحطيم السلاسل، وسمى هذا اليوم «يوم تحطيم السلاسل» ودخل النواب قاعة الجلسة، وتلى مرسوم التأجيل، وأقسم النواب اليمين بالمحافظة على الدستور.
ومن يوم تحطيم السلاسل انطلقت المقاومة الشعبية لصدقى ودستوره، ويقول د.عاصم الدسوقى: أرسل عدلى باشا احتجاجا على صدقى باسم مجلس الشيوخ، وبعد إلغاء الدستور استقال من رئاسة مجلس الشيوخ، ورفض النظام الذى وضعه صدقى باشا، وأبى إقرار الدستور الصورى الذى ابتدعه، وكان من أركان المؤتمر الوطنى الذى قرر فى مايو 1931 لمناهضة دستور صدقى وعدم الاعتراف بالانتخابات التى جرت على أساسه.
ولعل أكثر ما كان يرعب الملك والاحتلال من دستور1923 كما يقول د.الدسوقى هو شل يد الملك، فجاء دستور 1930 بقرار من صدقى وليس عن طريق أى لجان، وزاد من سلطات الملك المطلقة، وكان دستور 1923 يعطى الملك فقط حق التصديق على قوانين البرلمان، وإن لم يصدق على القانون، أو لم يعده للبرلمان خلال شهرين اعتبر القانون نافذا، ولكن دستور 1930 ألغى ذلك، بل ونص على عدم أحقية البرلمان فى نظر القوانين التى يرفضها الملك فى ذات الدورة، ويكاد يكون دستور 1930 عطل باب الحريات فى دستور ,1923 وأعطى مشروعية لإلغاء حرية الصحافة وتعطيل الصحف ومنع حق الاجتماع والتظاهر.. إلخ.. ومن هنا بدأت المقاومة، وأخذ الوفد والنحاس يطوفون المديريات.
فى المنصورة فى 1930/7/8 حاصرت قوات تقدر بثلاثة آلاف جندى من الجيش المدينة إضافة للبوليس، وعندما شقت سيارة النحاس باشا الطريق بشارع البحر اعترضتها قوات الجيش والبوليس،"حاسب يا باشا" خرجت الكلمة قوية من لسان سينوت حنا مخاطباً مصطفى النحاس باشا زعيم الوفد والأمة..كان النحاس مشغولاً بتحية الجماهير الغفيرة التى احتشدت لتحيته فى المنصورة يوم 9 يوليو عام 1930 خلال معركة الوفد الجهادية الطويلة فى مواجهة القصر والاحتلال.. لكن يبدو أن زعيم الأمة كان قريباً جداً من الخطر.. سمع النحاس صوت صديق عمره سينوت حنا بصعوبة شديدة،فقد كانت أصوات الجماهير تطغى على كل شىء.. نظر الزعيم إلى مصدر الصوت، فوجد جنوداً من الهجانة تغرس السونكى فى أجساد الوفديين، ورأى جندياً يتقدم نحوه، مشهراً سلاحه، وشهد السونكى يتجه نحوه بسرعة شديدة، وقبل أن يلمس جسده، ألقى سينوت حنا بنفسه فوق النحاس ليتلقى الطعنة بدلاً منه، ويفسد مؤامرة جديدة لاغتيال زعيم الأمة ومصدر الإزعاج الوحيد للملك والإنجليز، ليغرق وجه النحاس بدم سينوت حنا، الذى صرخ من شدة الطعنة، فقال له النحاس «سلامتك يا حبيبى».. فقال له سينوت «روحى فداك يا ياباشا "»!
وأصيب سنيوت بك حنا الذى كان يرافق النحاس فى سيارته إصابات بالغة، وقتل أربعة من الأهالى وثلاثة من رجال الجيش والبوليس، وبلغ عدد الجرحى 145 جريحا، اعتلّت صحة سينوت حنا، بسبب هذا الحادث، وتوفى فى بيته برمل الاسكندرية مساء يوم الأحد 23 يوليو 1933 وعمره 53 عاما، وألقى مصطفى النحاس خطابا على قبره تناول فيه عمق مشاعر الحب لدى سعد زغلول و«صفية» أم المصريين لابنها واخيها سينوت حنا، وأعلن أنه مدين له بحياته، حيث تلقى عنه طعنة أثيمة من يد أثيم.
وبعد وفاة سعد زغلول بأربع سنوات خرج المصريون فى مظاهرة كبيرة لتشييع جثمان ويصا واصف القيادى القبطى بحزب الوفد، وكان الهتاف (اشكى الظلم لسعد يا ويصا...) وكأن الاثنين فى الجنة.