بقلم: عمرو العراقي
أوشك عامٌ على أن يكتمل منذ اندلاع شرارة ثورة الخامس والعشرين من يناير، تلك الثورة التي جذبت أنظار العالم في الساعات والأيام الأولى منها، لكن سرعان ما أدار الجميع عنها وجهوهم ليتصدر أعداؤها المشهد، باستثناء "مبارك" الذي تخلى عن المواجهة المباشرة، مفضلًا محاربة الثورة من وراء حجاب، ليدير المرحلة الانتقامية من الثورة وهو نائم فوق ريش النعام بمقر علاجه الذي نتحمل نحن نفقته، وكأننا ندفع غرامة ثورتنا من قوت يومنا لعلاج من يخطّط للخلاص منا!!.
وبعد مرور تلك الشهور الدامية التي لم يتوقف خلالها نزيف دماء الأحرار– المتعطشة للحرية– علينا أن ندرك ونعترف أيضًا بأن "مبارك" لم يسقط بعد، ربما سقط قناعه المعروف لدينا ليستمر جالسًا فوق عرش الحاكم بقناع آخر لا تختلف ملامحه كثيرًا عن القناع الساقط.
فعلى مدار ما يقرب من عام، انفرد فيها المجلس العسكري- المفوّض من "مبارك" بإدارة شئون البلاد، أو بالأحرى القناع المختبئ خلفه "مبارك" لإدارة حربه الباردة على الثورة- ليخرج لنا قوانين بلا مشرّع، وحكومات بلا مراقب، وانتهاكات بلا محاسبة، مذكرنا- والقتل جهارًا- في كل مرة يسحل أو يسجن أو يقتل فيها الثوار بأنه من حمى الثورة!!.
فالقمع قائم لا مفر منه، وبعد أن تسلل لدى الجميع شعور بأن الثورة قد انتصرت لدماء الشهداء، وأن كرامة المصري قد عادت، ترد لنا قوات الأمن غيبتنا لنستيقظ من ذلك الحلم المؤقت على مشاهد أفظع من زي قبل، ليصبح السحل والحبس والتعذيب بل والقتل جهارًا بغطاء الشرعية المنتزعة بقوة السلاح هما الرد الرسمي على كافة التظاهرات السلمية التي مازالت ترفع مطالب الثورة وتطالب بإصلاحات حقيقية.
ولازال التضليل والتشويه وإخفاء الحقائق ولغة التمجيد هي الرسالة الرئيسة التي تعمل من أجلها الشاشات الحكومية وغيرها من شاشات مملوكة لحلفاء النظام شبه الساقط، قنوات تتحدث فقط عن عجلة الإنتاج، مؤامرات خارجية، ومخطط للتقسيم وحرق الوطن، وتلفق التهم ظلمًا وبهتانًا للثوار. فإن كان صوت تلك القنوات قد علا أحيانًا ليثبتوا أنهم أحرار، إلا أن تلك المرات التي كانوا فيها عبيدًا للسلطة هي الأكثر.
عادت بنا تلك الممارسات القمعية والتضليلية إلى نقطة البداية من جديد، ليتجلى حصاد الثورة على مدار عام في زيادة عدد شهدائها، وإن كان البعض منا يعلق الآمال على "البرلمان المنتظر" ليدفعنا قليلًا ولو لبضع خطوات عن نقطة البداية، فهذا أشبه بالرهان الخاسر؛ لأن حقيقة الأمر أننا أمام برلمان لا مانع لأغلبيته في المتاجرة بدماء الشهداء، ولا مانع لديهم أيضًا في الدفاع عن القاتل، فهم يعدونه من الآن بالخروج الأمن!. وبحسابات المنطق، كيف سينجح برلمان تحوّلت خلاله التيارات الثورية إلى قلة مندسة في انتزاع مطالب الثورة؟؟.