ودّعنا عاماً..!
بقلم: نوري إيشوع
ودّعنا عاماً، عنوانه لا إنسانية لا كرامة للإنسان، عاماً، تحول فيه العالم الى غابةٍ موحشةٍ أكلت فيها الذئاب الأدمية الأغنام و لم يسلم منها حتى الخروف الضان!
ودّعنا عاماً، قتلنا فيه الطفولة، فتلاشت فيه الأحلام، حروب و غزوات، ثورات و ويلات، كوراث طبيعية, لا عدالة لا قانون و أصبحنا أسرى الهمجية و الإنفلات! أشعلنا نيران الحقد و الكراهية، أوطاناً مدمرة، بيوتاَ أضحت ركاماً من الحجارة و لم تتوقف العدالة عن البكاء على ملايين الأطفال الإيتام!
ودّعنا عاماً، أقتلعنا فيه المحبة و زرعنا في القلوب الأحزان, وطئنا باقدامنا جنائن الورود و فرشنا أشواكاَ في دروب أخوتنا بالأطنان، بعنا كرومنا، حرقنا أرضنا و جعلنا ثمارها قنابل و بارود و دخان! أرعبنا فلذات أكبادنا، علمناهم معنى الخوف و أجبرناهم على نسيان دفاترهم و أقلامهم و لم يبق لهم مساحات للرسم سوى الجدران، أعمينا بصائرهم و بصيرتهم، و وضعنا بين أصابعهم ريش مغموسة بالدماء فاختلطت عليهم الألوان!
ودّعنا عاماّ، و خليجنا روابي من الريحان، يحتضن الغانيات في أحضانٍ دافئةٍ و هن يرقصن على أنغام الربابة و يسندن رؤوسهن على بطون الحيتان!
ودّعنا عاماً، حبكنا فيه المؤامرات و عقدنا الدبكات و أطلقنا الأهازيج و رفعنا سيوف العزةِ على الأخوة و الخلان! فاشتركنا بإرادتنا في جريمة قتل الأوطان. ضحايانا: أرامل، شيوخ، شباب، أطفال و لم يسلم منا حتى الوليد بعد أن سرقنا منه الحنان!
ودّعنا عاماً، مارسنا فيه سياسة الغدر و الخيانة، تجاربنا أرواحاً حية و تاجرنا بأخينا الإنسان.
ودعنا عاماً، بعنا ضمائرنا، فقدنا كرامتنا، ففتحنا شواطئنا أمام آلة قتل الإنسانية و ذهبنا في رحلة بحرية على يخوت تقودها حور من الجان!
ودّعنا عاماً، محينا فيه بصمة المحبة و الإيمان، أنتهكنا أرضنا المقدسة و بعنا للغريب الأوطان!
ودعنا عاماً، أنسلخنا فيه عن آدميتنا، أشبعنا غرائزنا و تجاوزنا بهمجيتنا حتى عدوانية الوحوش الضارية و أقنعتنا كانت صور حيوان!
ودّعنا عاماً، و لكن إيها الإنسان : حان الأوان أن تتوقف برهة و تسمع الى صوت الضمير, و تهجر الماضي فتمسح عن أعين أطفالنا الدمعة، و تزرع دروبهم بالبسمة، و تنشر على المشردين و الإيتام ثياب الرحمة!
أيها الإنسان : أترك الماضي و تجنب النقمة، و بادر منذ الساعة الى إشعال الشمعة لتتلاشى عن أوطاننا الظلمة، و تعود الى ربوع بلادنا حمائم السلام و تنقل الى العالم نغمات الكلمة، و تحلق في الأعالي بحرية وهي ترنم و تنقل البشارة فرحة: لقد عادت الى أرضنا الطيبة الطيور المغردة و عندها تحلو الحياة و يسعد الجميع بالطمأنينة و الأمان و تحلو معها الصلوات المفعمة بالبركة و النعمة!
ودّعنا عاماً، و علينا أن لا ننسى و لا يغيب عن البال بان الله عيونه لا تنام ليل نهار على أنين المظلومين و المشردين و دعاء الأرامل و بكاء الإيتام!
كن في قلب الحدث... انقر هنا لتحميل شريط الأدوات الخاص بالموقع لتصلك الأخبار لحظة حدوثها
تابعونا على صفحتنا علي الفيسبوك
رابط دائم :