بقلم / ماري عبده
عام يمضي و عام يأتى هكذا تمضي بنا الحياة جميعا الى ان نصل الى محطتنا الأخيرة و يصل بنا قطار العمر الى نهاية الطريق
و فى النهاية نترك كل شيء و نمضي و لا يتبقي منا سوى صورة تحمل ذكرى لمن عشنا معهم كلما ينظرون اليها يتذكرون الشعور الذى تركناة داخلهم
و فى الحقيقة هذا هو المغزى الحقيقي من الحياة بأكملها .. ما هى الذكري التى نتركها داخل من حولنا ؟؟؟
في أحد المستشفيات كان هناك مريضان يقيمان معا في غرفة واحدة.. كلاهما يعانى من مرض عضال
أحدهما كان سريرة يقع بجوار نافذة و كان يستطيع الجلوس ليطل من خلالها و يتنسم بعض الهواء أما الآخر فكان موضع سريرة بعيدا عن النافذة و لا يستطيع حتى رؤية زميل الغرفة نظرا لحالتة الصحية التى كانت تحتم علية أن يبقى مستلقياً معظم الوقت , كانوا يقضيان وقتهما في الكلام .. تحدثا عن كل شيء حياتهما، أولادهم و عائلاتهم و ماضيهم باكملة ..وفي كل يوم وقت العصر ، كان الأول يجلس في سريره و ينظر من النافذة ويصف لصاحبه العالم الخارجي ليدخل الى نفسة البهجة .. وكان الآخر ينتظر هذه الساعة كما ينتظرها الأول، لأنها تجعل حياته مفعمة بالحيوية وهو يستمع لوصف صاحبه للحياة في الخارج :في الحديقة هناك بحيرة كبيرة تتوسطها نافورة والأولاد صنعوا زوارق ورقية وأخذوا يلعبون .. والبعض يتمشى حول البحيرة .. و آخرون جلسوا في ظلال الأشجار .. ومنظر السماء الرائع ...... الى اخر حديثة و الآخر ينصت في انبهار لهذا الوصف الدقيق الرائع.. ثم يغمض عينيه و يتصور ذلك المنظر البديع للحياة خارج المستشفى , ومرت الأيام والأسابيع وكل منهما سعيد بصحبة صاحبه
في أحد الأيام جاءت الممرضة صباحاً لخدمتهما كعادتها، فوجدت المريض بجانب النافذة قد قضى نحبه خلال الليل ولم يعلم الآخر بوفاته إلا من خلال حديث الممرضة وهي تطلب المساعدة لإخراجه من الغرفة .. فحزن على صاحبه اشد الحزن و بكى لفراقة .. و بعد بضعة ايام عندما اشتد علية الاشتياق لصوت صاحبة طلب من الممرضة أن تنقل سريره إلى جانب النافذة و قرر أن يحاول الجلوس لينظر منها ليتذكر حديث صاحبة الشيق لعلة يستعيد صوتة فى اذنة و هو يشاهد البحيرة و ما حولها التى طالما عاش و ابتهج مع خيالهم
تحامل على نفسه وهو يتألم، ورفع رأسه وأدار وجهه ببطء أتجاه النافذة لينظر الى العالم الخارجي
وهنا كانت المفاجأة لم ير أمامه إلا جدار أصم من جدران المستشفى، فقد كانت النافذة تطل على ساحة داخلية ولا يوجد بحيرة ولا اطفال ولا اى شيء
نادى الممرضة وسألها إن كانت هذه هي النافذة التي كان صاحبه ينظر من خلالها، فأجابت بأنها هي !! فالغرفة ليس بها سوى نافذة واحدة.. ثم سألته عن سبب تعجبه فقص عليها ما كان يرى صاحبه عبر النافذة وما كان يصفه له , فتعجبت الممرضة و قالت له ان المتوفى كان أعمى ولم يكن يرى حتى هذا الجدار الأصم.....ذهل الرجل من المفاجأة و انهمرت دموعة على صديقة الذى اضاء حياتة برغم ظلام عينية فقد كان زميلة فى الغرفة اعمى لكنة أراد أن يجعل حياة من يرافقة الغرفة مضيئة
فقد رحل صديقة لكنة ترك داخلة اثر لا تمحوة الايام ..
الناس في الغالب ينسون كل شيء الانجازات و الخفقات ولكنهم لا ينسوا أبداً الشعور الذي تركناة داخلهم
هذا هو اول عيد ميلاد امضية بدون امى رحمها الله و بعد ان كانت تملاء الحياة حولى أصبحت مجرد صورة على الجدار
و رغم انها مجرد صورة لكنها تلزمنى و تجبرنى ان أظل أحدق فيها و أكلمها و أحلم أن تجيبنى و كلما أبتعدت عنها وجدت وجوة الناس جميعا يحملون ملامحها لأن عيناى لم تعد تستطيع ان تري سواها فأعود اليها باكية أتمنى لو أدخل داخل الصورة لأضمها ولو مرة اخيرة
هذا هو الشعور الذى تركتة داخلى امى و يتركة داخلنا كل من امضي حياتة فى محبة من حولة
ليتنا جميعا نعى ذلك و نفكر كل عام ماذا تركنا داخل من حولنا من مشاعر سوف تبقي حتى بعد رحيلنا لان هذا هو الارث الحقيقي الذى نتركة و يظل يتبعنا حتى بعد رحيلنا
كل عام و أنتم بخير