حمدي رزق
كنا زمان أبطال نموت فى الحرب
ونمشى للموت سَوا ولد يسابق وَلد
دِلوقت أبطالنا تموت مِ الضَّرب
معسكرات العَدُو دلوقت جوَّة البَلَد!!.
الله يرحمه الخال عبدالرحمن الأبنودى، وكأنه يقرأ الغيب، مكشوف عنه الطالع، معسكرات العدو دلوقت جوة البلد، غادَرَنا وهو قلق، خائف على البلد، قضى أيامه الأخيرة وعينه لا تغفل من الخشية، كان يرى ما لا نراه بعيوننا المبصرة، كان يغفو هنيهة ويفيق سريعًا ليطمئن على البلد.
القلق، مثل حجر رابض على صدره يكاد يزهق أنفاسه، يسعل يكاد يمزق أحشاءه ألم ساكن فى قاع رئتيه، يمنع عنه الهواء يخنق نفسه المعذبة، مات وشايل الهم، مات على طريقة والدته المرحومة «فاطمة قنديل»، مات حتى لا يرى هذه الأيام السودة، ارتاح وترك لنا تلالًا من الخشية والخوف والألم.
لم يُقصِّر معنا، ترك الوصية فى مربع شعرى «أعلاه»، كنا زمان نموت فى الحرب، ونمشى للموت سوا ولد يسابق ولد، يتسابقون الآن فى خراب البلد، وفى ذلك للأسف يتنافس المجرمون، دلوقت لم يعد هناك أبطال، لُطِّخت الصور، وشاهت الوجوه، وقُلِبَت الآية، دلوقت أبطالنا تموت م الضرب، خسة وخيانة وغدر، نعم معسكرات العدو دلوقت جوة البلد.
كنا رجالة ووقفنا وقفة رجالة، كتف فى كتف، وقدم فى حذا قدم ثابتة ضاربة فى الأرض، وإيد فى إيد من حديد، وقلب جرىء، وشعب ياكل الزلط ويفوت فى الصخر ويعدِّى البحر ولا يبْتَلّ، كنا واحد، الكل فى واحد، فى وطن واحد، تشتَّت الصف، وتحزّب البعض، صرنا كالإخوة الأعداء، بعضى يمزق بعضى.
دلوقت بينّا مَن يفخر بالخيانة ولا يخجل، ويجاهر بالعمالة ولا يعفر رأسه بالتراب، رسموا أبطالًا من ورق على حوائط الفيس، وصار الوطن بضاعة، يبيعون وطنهم بثمن بخس دولارات معدودة فى مزادات منصوبة على قناة الحقيرة، ألا أونا.. ألا دوا.. ألا ترى!.
ألف رحمة ونور عليك يا مَن غنيت لنهار الوطن، جانا نهار، رأى الأبنودى فيما يرى النائم ثعالب عقورة تنهش فى جسد وطن منهك من أثر الحروب، تتكالب عليه تكالب الأكلة على قصعتها، نفوس مريضة تنفث غلًا وحقدًا، وجماعة إخوانية موتورة أقسموا ليَصْرِمُنَّها مُصْبِحين ولا يستثنون، لمح خيامًا مجهولة، ومعسكرات مهولة عليها رايات عمية «باطلة» تحملها أيادٍ ملوثة، وتهتف تحتها أصوات زاعقة، تعلن خيانتها فى العلن، وتفاخر فى فجور، ولا تخشى ملامة، صحيح اللى اختشوا ماتوا عرايا!.
فى قصيدة «الميدان» سطّر الأبنودى ملحمة، وسجل لحظات الفخار التى ظنها انتصارا، وإذ فجأة حاق به ألم عظيم، الفخار يخبئ عارا، دقّق فى الصورة المنشورة فلمح وجوهًا قبيحة، ونفوسًا موحشة، وقلوبًا متصحرة، قلبها قُدَّ من حجر لا ترق لوطن، ولا تعرف فضل وطن، وتنكر حتى البطن التى حملتها وهنًا على وهن، أحس بالغربة وهو فى حضن البشر، مات وهو يصرخ علينا أنِ احذروا: معسكرات العدو دلوقت جوه البلد!!.
نقلا عن المصرى اليوم