مرّ 49 عامًا على رحيل الرئيس "جمال عبدالناصر"، وما زال حضوره في الذاكرة الشعبية والعربية، فبالنسبة للمصريين فإنه البطل القومي الذي استطاع أن يتحدى البريطانيين ويبني السد آمرًا الجميع بأن يرفع رأسه، وبالنسبة للدول العربية فإنه الحليف القوي الذي استطاع أن يخوض معهم غمار الحرب في فلسطين وسوريا، مناديًا بالوحدة العربية، ما جعله رغم مرور تلك السنوات موجودًا في الأمجاد والأماكن التي ما زالت تنطق بمواقفه.
طفولة في أحضان الثورة
من ضمن ما قيل أن عبدالناصر نشأ في عائلة تؤمن بالأحلام العربية الوردية، والتي تهتف بالوحدة والقومية، وهو ما ظهر في قلب الطالب بالمدرسة الثانوية من كره للاحتلال ورفض وجوده، فخرج ضدهم في مظاهرات الطلبة ضد الانتداب البريطاني، ليروي تلك الروح الوطنية بقراءة العديد من المؤلفات لقادة سياسيين وتاريخيين.
نشأ "عبدالناصر" كما كل المصريين في بيت بسيط متفرع من شارع باكوس بالإسكندرية، بين أحضان أسرة تنحدر من أصول صعيدية، لأب يعمل في مكتب بريد المنطقة التي يقطن فيها، لتنقل الطفل بين أكتر من مكان لطبيعة عمل والده، ثم يقرر الالتحاق بكلية الحقوق التي مكث بها عدة أشهر، حتى ترسو سفينته أخيرًا في مرفأ الكلية الحربية، والتي تخرج منها كملازم ثانٍ.
في الميدان
كانت أولى تجارب العسكرية الميدانية لعبدالناصر، في حرب فلسطين عام 1948، حيث حوصر لأسابيع مع جنوده لكنه ثبت على النهاية، ثم أدى فترة من خدمته في السودان، وهناك توثقت أواصر الصداقة بينه وبين عدد من الضباط؛ الذين كوّن معهم فيما بعد تنظيم الضباط الأحرار، وفي 23 يوليو 1952، قرر عبدالناصر مع 89 ضابطًا أن يطيحوا بنظام الملك فاروق عبر ثورة شعبية، أجبر الملك فاروق وعائلته على مغادرة البلاد، كي تدخل مصر مرحلة جديدة تنتقل فيها من النظام الملكي إلى الجمهوري.
إصلاحات شاملة
تولى "الزعيم" الحكم في يونيو عام 1956، فقام بتعديل الدستور المصري الذي أعلن مصر جمهورية تُحكم من قبل حزبٍ سياسي واحد يكون الإسلام دينًا رسميًا فيها، كما قام عبد الناصر بتأميم قناة السويس بعد خلافاتٍ عديدة مع الولايات المتحدة، ممّا أقلق فرنسا وبريطانيا اللتان كانتا تملكان العديد من المصالح في مشروع القناة. فتآمرت فرنسا وبريطانيا مع إسرائيل لإعلان حرب العدوان الثلاثي على مصر.
في أكتوبر 1956، قامت القوات الإسرائيلية باحتلال سيناء وبعدها بيومين هاجمت الطائرات الفرنسية والبريطانية المطارات المصرية، لكنّ مصر استطاعت التصدي لهذا العدوان،،على الرغم من وصول الإسرائيليين لشرم الشيخ وتدمير القوات الجوية المصرية بالكامل.
من بين المصادفات التي حالفت عبدالناصر في تلك الحرب؛ أنه في الوقت الذي كانت تهدد فيه كل من بريطانيا وفرنسا مصر، كانت حكومةً مجريةً جديدة برئاسة إيمري ناجي تعلن العودة إلى الديمقراطية التعددية متمردةً بذلك على هيمنة موسكو، وكان ذلك في 30 أكتوبر 1956، وفي الأيام التالية كانت الدبابات السوفيتية تشرع في سحق التظاهرات الطلابية في بودابست، والمظليون الإنجليز والفرنسيين يهبطون في بورسعيد.
يظل بناء السد العالي هو النجاح الأبرز لعبدالناصر، حيث بدأ العمل به عام 1968، كما شن حربًا ضد الفساد المنتشر في كل القطاعات الحكومية، كما قام بإصلاحات إجتماعية أكدت على حقوق النساء أوحقيتها في التصويت، على الرغم من أنه عادى عبدالناصر كل الأطراف السياسية.
قبل عبدالناصر بمعاهدة السلام الأمريكية التي أدت إلى محادثات سلام مع إسرائيل، كما قام عام 1958 بالوحدة مع سورية بعد محادثاتٍ مع وفد سوري، وحكم الجمهورية الجديدة الموحدة بعد حل حزب البعث في سوريا واستقالة الرئيس السوري شكري القوتلي حينها بالتراضي، كذلك أسس اتحاد فدرالي مع اليمن وسُمي الدول العربية المتحدة، بعدما عرض عليه ذلك ولي عهد الإمام بدر من شمالي اليمن.
الرحيل على أعناق 5 مليون مصري
توفي يوم 28 سبتمبر عام 1970 إثر نوبةٍ قلبية، بعد تعرضه لتصلب الشرايين والدوالي، إضافة إلى مضاعفات مرض السكري، لأنه كان مدخنًا شرهًا، ولم يكن المصريون على دراية بظروفه الصحية لذا كان موته صادمًا بالنسبة لهم، ما دفع شريف شحاتة لأن يقول: "أعظم إنجاز لعبدالناصر كان جنازته، إن العالم لن يرى مرة أخرى خمسة ملايين من الناس يبكون معًا".