بقلم : محيي الدين إبراهيم

لن تشفع لمبارك مساعي زوجته سوزان ثابت في الحصول على عفو صحي من خلال تطبيق القوانين الأوروبية على حالته لأنه مواطن مصري ولا يخضع إلا للقانون المصري مثله مثل كل شعب مصر الذي حكمه طيلة ثلاثين عاماً حتى ولو كان حاصلاً على جنسية زوجته ونجليه الإنجليزية!، ولأن هذه المحاولة كما قال حافظ أبو سعده رئيس المنظمة المصرية لحقوق الإنسان، تهدف بها سوزان ثابت الوصول إلى تطبيق نظام معمول به في أوروبا فقط لمن تجاوز عمره 80 عاما، ولديه عديد من الأمراض المزمنة، مشيرا إلى أن المنظمات في هذه الدول تعتبر أن الحبس غير مقبول عند الوصول إلى هذا العمر، وربما تلك الأوهام هي سبب حضوره جلسات المحاكمة على سرير نقال ليثبت للعالم ومنظماته ومن خلال كاميرات التليفزيون أنه صاحب أمراض مزمنة فعلاً تمهيداً للعفو عنه بقوانين انجليزية، رغم أنه كان أكرم له ولتاريخه العسكري ولمصر التي احتضنته رغما عنها رئيساً لثلاثة عقود، كان أكرم له بدلا من الإيمان بوهم هذا العفو الطبي الذي يظنه وزوجته ومنظماته أن يحضر جلسات محاكمته واقفاً على قدميه بكبرياء القادة ويدفع عن نفسه بكل كرامة تلك التهم المنسوبة إليه كجندي مصري شريف مهمته الرئيسة هي مجابهة الموت منذ أول لحظة اختار فيها أن يرتدي الزى العسكري عام 1946.

لن تشفع أيضاً لمبارك المادة 17 من قانون العقوبات التي يظن أنها ( الكوبري ) الذي سيعبره لشاطئ العفو الصحي أو التخفيف عنه في تطبيق عقوبة الإعدام تلك المادة التي يقول نصها: "يجوز في مواد الجنايات إذا اقتضت أحوال الجريمة المقامة من اجلها الدعوى العمومية رأفة القضاة تبديل العقوبة من عقوبة الإعدام بعقوبة الأشغال الشاقة المؤبدة أو المؤقتة".

ولكن لن تشفع لمبارك مادة 17.
لماذا لن تشفع هذه المادة لمبارك وتنقذه أيضاً من حبل المشنقة أو العفو الصحي؟

الجواب ببساطة يقع في المادة 77 من نفس قانون العقوبات المصري والتي تنص صراحة:

" تطبيق عقوبة الإعدام على كل من ارتكب " عمدا " فعلا يؤدى إلى المساس باستقلال البلاد أو " وحدتها " أو سلامة أراضيها ولا يجوز تطبيق المادة 17 من هذا القانون بأي حال على جريمة من هذه الجرائم إذا وقعت من موظف عام أو شخص ذي صفة نيابية عامة أو مكلف بخدمة عامة".

ولاشك أن مبارك والعادلي واحمد عز وجمال مبارك وحسين سالم وأحمد نظيف وبطرس غالي وزير المالية وصفوت الشريف وفتحي سرور وغيرهم وهم بلا شك موظفون عموم ارتكبوا عمداً أفعالاً أدت إلى المساس باستقلال البلاد ووحدتها كما أن نفس هذه المادة 77 ستجر العشرات من الوزراء وموظفي العموم الكبار ورؤساء الشركات العامة بل ورؤساء الجامعات في عهد مبارك ممن ساهموا في إفساد الحياة السياسية والعامة قبل الثورة وكذلك أثناء الثورة في إتلاف وفرم أوراق ومستندات وشرائط مرئية وصوتية ووسائط كمبيوتر هامة وفي غاية الأهمية داخل قصور الرئاسة وخارجها في مجلس الشورى ورئاسة الوزراء ومقرات الحزب الوطني بغرض تضليل العدالة وكشف الفساد إلى السجن لا محالة كما جاء بنص المادة 77 الفقرة (د) بند 2 حيث تقول: "يعاقب بالسجن إذا ارتكبت الجريمة في زمن سلم ، وبالأشغال الشاقة المؤقتة إذا ارتكبت في زمن حرب كل من أتلف عمدا أو أخفى أو اختلس أو زور أوراقا أو وثائق وهو يعلم أنها تتعلق بأمن الدولة أو بأية مصلحة قومية أخرى . فإذا وقعت الجريمة بقصد الإضرار بمركز البلاد الحربي أو السياسي أو الدبلوماسي أو الاقتصادي أو بقصد الإضرار بمصلحة قومية لها كانت العقوبة الأشغال الشاقة المؤقتة في زمن السلم والأشغال الشاقة المؤبدة في زمن الحرب، ولا يجوز تطبيق المادة 17 من هذا القانون بأي حال على جريمة من هذه الجرائم إذا وقعت من موظف عام أو شخص ذي صفة نيابية عامة أو مكلف بخدمة عامة".

أما مسألة أن مبارك فوق الثمانين فليس هناك قانون مصري يأمر بالعفو الصحي أو يمنع من تنفيذ حكم الإعدام إلا إذا كان المحكوم عليه يبلغ من العمر أقل من 18 سنة وقت وقوع الجريمة.

والسؤال الملح هنا هو: لماذا إذن وفجأة تأخذ النيابة العامة هذا المنعطف السريع والخطير اليوم بعد مدة ثلاثة أشهر من تأجيل المحاكمة، تلك المدة التي تم فيها ذبح وقتل أكثر من 150 شاباً مصريا وإصابة أكثر من ثلاثة آلاف آخرين بعضهم إصابات ميئوس من علاجها، ثم تفاجئنا النيابة – وهم لا شك رجال مخلصون ووطنيون - وتطالب بأقصى العقوبات وعقوبة الإعدام تحديدا على كل من مبارك والعادلي؟.

هل مرافعة النيابة العنيفة اليوم بإعدام مبارك والعادلي هي دفع خفي من قوة عليا ( مجهولة أو معلومة ) لمحاولة تهدئة غضب الشارع أو ربما إزالته قبل الاحتفال بمرور عام كامل على الثورة في 25 يناير القادم وهو عام لم يتم فيه أي انجاز لصالح الشعب وخاصة شباب مصر الذين ثاروا؟

هل مرافعة النيابة مجرد ( اسفنجة ) لامتصاص هذا الغضب الشعبي مخافة أن تثور الناس مرة أخرى بنفس القوة كما ثارت قبل عام؟

لو كان الأمر كذلك فهو مسألة غير محمودة العواقب خاصة في ظل كل هذا الاحتقان الذي تعيشه مصر وكادت أن تتفرق فيه لشيع وطوائف ممزقة ما بين ثوار التحرير وثوار العباسية وثوار مصطفى محمود وكل طائفة تتهم الأخرى وكل شيعة تدافع عن شخص بعينه؟

لو كانت المرافعة كذلك فإنها الخطيئة بعينها، لأنهم إن كانوا قد ترافعوا بكل هذا العنف ضد مبارك على أمل تخفيف الغضب الشعبي وغضب أهالي الشهداء حتى يمر يوم 25 يناير القادم بسلام ثم يحتكموا بعده إلى المادة 17 لتخفيف حكم الإعدام على مبارك بالسجن أو العفو الصحي فأنه سيكون أشبه بأمل المشركين في دخول الجنة بدون حساب، لأن المادة 77 كما ذكرت سابقاً تسحق عفو المادة 17، ومن ثم فقد لمعت ضمائر الناس بمرافعة النيابة ولن تستطيع قوة في الأرض أن تعيد هذه الناس مرة أخرى خطوة واحدة للوراء بعدما ظنوا أن زمن الإنصاف قادم.

أخشى ما أخشاه أن تكون هذه مناورة، والشعب المصري لا يقبل المناورات، ولا تنفع معه مثل هذه السيناريوهات السوداء التي لو كانت في محلها من حيث اللعب بمشاعر الناس وأهالي الشهداء وشباب الثوار فهي الضلال ذاته والكارثة بعينها ولن يستطيع أحد دفع هذا الشر وتوابعه.