د.ماجد عزت إسرائيل
دور السريان في نقل وترجمة العلوم الفلسفية والطبية والفلكية إلى العربية (3/1)
مرت مرحلة نقل وترجمة العلوم الفلسفية والطبية والفلكية على يد السريان بعدة مراحل فالمرحلة الأولي بدأت ما بين (753-818م) وتميزت بترجمة العلوم العملية كالطب والفلك، و قد ترجم فى زمن أبو جعفر المنصور(714-775م) بعض كتب الفلك، ومن بين هذه الكتب: الكتاب الهندي فى النجوم المعروف باسم " السند هند" كما أنه أول خليفة ترجمت له كتب أرسطو طاليس فى الفلسفة والمنطق، ومن المؤلفات التى ترجمت فى عهده أيضاً كتاب "المجسطي" فى الفلك لبطليموس وكتاب"أصول الهندسة" "لأقليدس". ومن أهم النقلة في هذه المرحلة يوحنا بن البطريق والذي ذكره القفطى بقوله : كان أمينا على الترجمة،حسن التأدية للمعاني. وأيضاً" جورجيوس بن جبرائيل بن بختيشوع" الذي كان من أمهر أطباء زمانه وذاعت شهرته ، وكان رئيس أطباء جنديسابور،وكذلك "يوحنا بن ماسويه" الذي قدم من جنديسابور، وقد ولاه الرشيد ترجمة الكتب الطبية القديمة التى وجدت بأنقره وعمورية وسائر بلاد الروم حين افتتحها المسلمون، وقد قام بتألف (28) كتاباً،منها كتاب جامع الطب ، كتاب التشريح ، وكتاب السموم وعلاجها وقد تتلمذ عليه حنين بن اسحاق فترة من الزمن .
أما المرحلة الثانية ما بين(823 م -912م) وتميزت بترجمة الرياضيات والفلسفة والمنطق. ومن أشهر روادها يحيى بن البطريق،وقسطا بن لوقا البعلبكي المتوفي في 835م،وأيضًا حنين بن إسحق العبادي النسطوري(873م)،و بنه إسحق بن حنين(910م)،وحبيش بن الأعسم ابن أخت حنين.أما المرحلة الثالثة فبدأت منذ عام(912م) وتميزت بترجمة شتى أنواع الكتب في مختلف العلوم.ومن مشاهيرها متى بن يونس،وسنان بن ثابت قرة(970م) ويحيى بن عدي التكريتي(974م).وكانت خلاصة هذه المراحل الثلاثة أن الحركة العلمية والثقافية في الدولة العربية الإسلامية،بلغت أوج عظمتها على أيدي المفكرين السريان الشرقيين والغربيين في كل مجالات المعرفة وميادينها.
وعلى الرغم من مرحلة الاضمحلال التى كانت تمر بها الدولة العباسية خلال أواخر القرن الحادي عشر الميلادي،إلا أن السريان ظلوا على عطائهم الثقافي والفكري للحضارة العربية والإسلامية،لأن أديرتهم وكنائسهم كانت منارة للعلم والتونير،فعندما كانت تعجز الدولة عن تقديم الدعم للعلماء والمفكرين تقوم الكنيسة السريانية بهذا الدور وتستمر النهضة الفكرية وأكبر دليل على ذلك وجود نوابغ ومشاهير من السريان فى القرنين الثاني عشر الميلادي والثالث عشر الميلادي اشتهروا نذكر منهم على سبيل المثال ابن الصليبى(1171م)،والمؤرخ البطريرك ميخائيل(1199م) وسويريوس يعقوب البرطلي (1246م)،وابن المعدنى،وابن العبري (1286م).
وبعد القرن الثالث عشر الميلادي،أى بعد دخول المغول مدينة بغداد(1258م) وقتل الخليفة العباسي وسقوط خلفائه قضى المغول على البلاد وكثرة الغارات البربرية على الأديرة والكنائس والمؤسسات الثقافية للسريانية. ولكن بعدها قاوموا العوامل الطبيعية وبربرية المغول (الدواعش في وقتنا الحاضر)، ولا تزال هذه المؤسسات الثقافية السريانية حتى كتابة هذه السطور، نذكر منها مدرسة نصيبين والرها ودير مار متي، ودير سرجيسة،والزعفران،وقرقفتا ومدرسة بيت شاهاق، ومدرسة دير مار برصوم. وبالحق كان للسريان بصمتهم وتأثيرهم على الثقافة العربية والإسلامية.