عادل نعمان
هذا بمناسبة ما تم كشفه من فضائح المجاهدين في داعش، واختلاسات رواتب المقاتلين والهروب بها، والمتأخرات التي «أكلوها وضيعوها» على الموظفين بدرجة مجاهدين، وعودة بعضهم دون مستحقاتهم المالية الجهادية.. تذكرت على الفور رواتب المقاتلين في أفغانستان، وكانت تبدأ من ألف وخمسمائة دولار شهريًّا للمقاتل الواحد غير الحوافز والمكافآت، ولقد رأيت هذا الجهاد المزيف رأى العين، وشاهدت بنفسى تجار السلاح والعملة والأعضاء والرقيق الأبيض والمخدرات والأطفال في مدينة بيشاور، وعدت لأكتب في جريدة الأمة الإسلامية «شيكاغو» عن زيف الجهاد الأفغانى، وهُددت بالقتل، وما هذه الأموال التي تظهر فجأة مع الإخوان والسلفيين في التجارة بأنواعها والمقاولات وتجارة الأراضى والعقارات إلا أموال الأغبياء الذين يدفعون لدولة الخلافة، وهى ليست دولة، بل قبيلة وتكية وعزبة ونهب بلا حدود، ولم تكن مصادفة أن يكون كل الجهاد مزيفا، طامحا للغنائم وليس لرفع شأن الدين، قديمه وحديثه. ونمر على القديم قليلا.
كان الجهاد غزوًا وسلبًا وسبيًا، ومقابل أسهم معلومة، الفارس ثلاثة آلاف درهم، والراجل بلا فرس ألف درهم، ويزيد سهم من معه معاون أو مساعد، وقد طلب أحد المشركين الانضمام للمجاهدين أول عهدهم بالغزو، فرفض طلبه حتى يسلم، فأسلم!، وكان لكل سالب ما سلبه، وتوزع الأراضى على المجاهدين، وكانت أقاليم بأكملها يعود كل خراجها إلى ولاتها أو المحظوظين منهم، وكيف «تفئ» هذه الأموال، بمعنى «تعود» أو ترجع إلى المسلمين الفاتحين أو الغزاة، وليس المال مالهم؟.. وهاكم تفسير جد غريب «إن المسلم هو صاحب الحق الوحيد في الاستمتاع بنعم الله، ولا يحق للكافر الاستمتاع بهذه النعم مادام على غير ملة الإسلام، وللمسلم الحق في رد واسترجاع هذه الأموال، فهى حق له».. وهذا التفسير يستندون إليه في أخذ حقوق الناس بالباطل. وهذا عبدالله بن أبى السرح، والى مصر في عهد الخليفة عثمان، يجمع خراجها حتى أدمى ضرع الضيعة، ويفتح إفريقية بأمر الخليفة مقابل خمس الغنائم لنفسه، حتى فاق نصيبه اثنى عشر قنطارا من الذهب الإبريز الخالص «ابن الأثير» ويحملها إلى عسقلان يعيش في هناء ورغد بعد تنحيته في عهد معاوية، ولم يشارك في الحرب بين «على ومعاوية» واعتزلهما. وهذا ما كان بين معاوية بن أبى سفيان لعمرو بن العاص، أن يؤيده ويعينه في حربه ضد على بن أبى طالب، واشترط عمرو عليه حكم مصر، بريعها وخراجها وجزيتها كاملة، أي «وقفا» له ولأولاده، ضيعة يمتلكها وكأنها بيت ورثه من «أبويه»، وقَبِل معاوية الشرط «وآلت مصر إلى عمرو» خالصة تركة وإرثا، واتفقا على ألا يرسل منها أموالا إلى الخليفة في دمشق، ودب الخلاف بينهما حين احتاج معاوية مالا يدفع رواتب الجند وعطايا القرشيين في عام قل فيه الخراج وعزَّت فيه الجباية، وأرسل لعمرو يسأله العون والمدد، وأبَى عمرو ومنع، ورد عليه «وما نلتها عفوا ولكن شرطتها»، وأسرّها معاوية في نفسه، ولما مات عمرو صادر معاوية أمواله كلها وقال: «نحن نأخذه بما فيه من سحت وظلم» فهم يعرفون ما بينهم، وكانت ثروته ثلاثة أطنان من الذهب الخالص، غير الفضة والقصور والضياع «مروج الذهب للمسعودى». وما كان صلحا بين معاوية والحسن بن على، على ألف ألف درهم «مليون درهم» يحملها عائدا إلى المدينة، وخَراج مدينة «عين الصيد» ببغداد «وقفا» له ولأولاده حتى ولايته بعد معاوية، وحرّض عليه زوجه ودست له السم في العسل، وأوقف وقفه، ومات الحسن وضاع العهد بينهما.
وإليكم جهاد اثنين من المجاهدين: الأول «عقيل بن أبى طالب» شقيق الخليفة على، والثانى عبيدالله بن العباس ابن عمه، والأول كان واليه على الكوفة، وأحد أهم معاونيه، وحين طلب من الإمام أربعين ألف درهم لسداد ديونه من بيت المال ورفض طلبه، تركه وانضم إلى مجاهدى معاوية الذي دفع له خمسين ألفا، وهى من بيت مال المسلمين أيضا، وقال قولته المشهورة لمعاوية: «هو خير لى في آخرتى وأنت خير لى في دنياى». «أسد الغابة». والثانى كان أخلص الناس إلى ابن عمه، وإلى الخليفة على اليمن، وكان نصير الحسن ابنه في حربه بعد مقتل الإمام، يشتريه معاوية بألف ألف درهم «مليون» فيسحب نفسه من جيش مجاهدى الحسن إلى جيش مجاهدى معاوية، يصحبه عشرة آلاف من الجند «تاريخ اليعقوبى».
هذا هو الجهاد، لمن يدفع أكثر، قديمه وحديثه، وظيفة ومهنة وحرفة، ومجموعة من المرتزقة، تصور أن الإرهابيين في ليبيا يقاتل ويجاهد بين صفوفهم مرتزقة من إفريقيا ليسوا بمسلمين ولا على غير دين، تجار يجاهدون مع من يدفع ومن يشترى، ورحم الله معاوية حين قال لأحدهم: «اشتريت دينهم بأكثر منك»، حين دفع لغيره مالا أكثر، ليضمهم في حربه ضد «على» فيرد عليه: «وأنا أبيعه بأكثر منهم» لا تصدقوهم وإن أقاموا الصلاة، وأقسموا جهد أيمانهم أنهم على الحق، فهم في ضلال إلى يوم الدين.
نقلا عن المصرى اليوم