د. مينا ملاك عازر
يقع شعب مصر بين الحنو والقسوة، فثار يوماً على القسوة باحثاً عما يحنو عليه، فأتاه الإخوان فثار على من يبيعون أرضه، فأتاه النواب ودافعوا عن الحكومات، ولم يستجوبوا وزيراً، وفجأة وبعد أربع سنوات اكتشفوا أن الحكومات قاسية ولا تحنو على الشعب، وأنهم يصدرون المشال للرئيس، وأنهم يسيئون لمجهوداته، وأنهم يجب استدعاءهم ومحاسباتهم، وأن الشعب لازم يجد من يحنو عليه، أنا طبعاً وبما أني لست من المعتقدين في جدية الانتخابات التي تجري في مصر، أستطيع أن أجزم بأن ما صرح به رئيس مجلس النواب الذي في الأصل معين وليس مختار شعبياً، وهذا بالمناسبة لا ينتقص منه قراط، فالمهم أنه وصل بأسلوب شرعي، المهم أن رئيس مجلس النواب وتصريحاته لا أعتقد ولا يمكنني اعتبارها من باب الدعاية الانتخابية لجولة انتخابية قادمة العام القادم مثلاً، ولا يمكنني على الإطلاق اعتبار أي من الهجوم الحاد الذي شنه رجال المجلس الموقرين على الحكومة التي لم يستجوبونها طوال أعوام سابقة هي مدتهم في الحكومة، ولم يستجوبوا سابقيها، ولم يسألوها حتى إزي الصحة؟ هجوم مدبر بداعي الجولة الانتخابية القادمة -فالحمد لله- هم يعرفون أنه ليس من المهم رضا الشعب بل رضا من يدعموهم، ففي بعض البلاد ليس مهم سوى أن يعرف الشعب بأن هناك انتخابات، فنتيجتها يقررها القائمين عليها، لذا الشعب سينزل يؤازرها بكل أساليب التحريض المعتادة من أموال ووجبات غذائية وترهيب وما شابه، المهم في النهاية أنه سينزل ويملأ مقار الانتخابات، وهنا دوره سينتهي، ويبدأ دور من اختاروا رجال المجلس الحالي ومن سيليه، لذا وبناء على كل ما تقدم فتصريحات نواب الشعب لا علاقة لها بالانتخابات ولا بقرب انتهاء مدتهم بل فقط على سبيل تنفيس الغضب الشعبي الذي بات واضح أنه مكتوم ويضغط على غطاء الحلة حتى أنه بات يرجه رج ويهزه هزاً فيحدث ضجيج ويصفع الجميع صفعاً.
هكذا هي الأمور، ما لم يفلح الإعلام بالقائمين عليه في أن يفعلوه بكتمهم صوت الناس وضغطهم وفشلهم في أن يقنعوهم أن ما يجري في مصلحتهم مع عدم شعور المواطن بهذا على أرض الواقع بعدم استفادته من كل الإجراءات الاقتصادية التي جرت والتي وعد بأنها ستصب في مصلحته، كما أنه بدأ يرى تحسن في سعر الجنيه أمام الدولار مثلاً، ولم يرى فائدة من هذا، بل بالعكس ومن منظور مواطن عادي انخفض سعر الفائدة التي تعينه على مواجهة بغي الحكومة وفشلها في خفض الأسعار، والفائدة التي تسنده ودعم راتبه الهزيل بالفعل باتت مهددة بالانخفاض أمام إجراءات مرتقبة ومتوقعة من إدارة نقدية لنقد البلاد تكاد أن تكون فاشلة، أمام هذا كله ومع الفشل الإعلامي سابق الإشارة إليه، بات على مجلس النواب أن يقوم مقام الشعب المعترض ويقول أننا معترضين، وذلك بشكل متفق عليه ومرتب ومنظم بالشكل الذي لا يكون فيه تجاوز وفي نفس الوقت يهدئ من روع الناس التي تكاد تهلع من هول ما يحدث لهم بين نيران الأسعار وانخفاض الفائدة، وتردي كل الأوضاع وكتم الأصوات وعزوف الشعب عن معظم الأبواق الإعلامية التي باتت كلها تقريباً تطبل وبصوت رتيب ومفضوح، فباتت الضرورة العودة لبعض الوجوه التي سبق أن انقلب عليها وإعادتها للشاشة لتحرك غطاء الحلة قليلاً، فتترك بخار الغضب يتسرب، هذا بالطبع إلى جانب تصريحات وتحركات مجلس النواب وربما إلى جانب تغيير وزاري قد يحدث راحة نفسية لدى الشعب، وأمل جديد أن يأتي من يحنو عليه.
المختصر المفيد لا شيء في السياسة يحدث بالصدفة، وإن حدث أستطيع أن أجزم لك أنه مخطط له بعناية فائقة.