مدحت بشاي
medhatbeshay9@gmail.com
نتابع بشكل ملفت و مطيب للنفوس تكرار دعوة الرئيس السيسي لتطوير الخطاب الديني ، و تقويم ودعم سبل الأداء عند التعامل مع المواطن المتلقي لأمور تفسير الآيات الكريمة والشرح المُبين لكل أبعادها ، و كل الأمور المتعلقة بالإفتاء والهداية والتنوير ، و مناشدته رجال الدين و الرموز الفكرية والعلمية والتعليمية بالمؤسسات الدينية المعنية بأمر الدعوة لنشر مثل تلك الرسائل والتعاليم الروحية والمذهبية بالشكل المتوافق مع صحيح الأديان ليعكف الجميع في النهاية على تقديم رسائل رعاية وسلام وحب لأهالينا على أرض الوطن وللعالم بأسره ، و تحفيز مواطنينا على مقاومة الفساد ، والحرص على كل ما من شأنه دعم تقديم نماذج من أهل السلوكيات والقيم الإيجابية بمرجعية ثوابت دينية سليمة صالحة لكل زمان وأوان ، وتأمين كل الخطوات الجادة لينعم الجميع بكل حقوق " المواطنة الكاملة " ...
ولكن ، يبقى في النهاية أن أمر تطوير الخطاب الديني يتشارك في صياغة وإيجاد والإشارة إلى محدداته وتجديد آلياته وتحديث معطياته العديد من مؤسسات التنشئة والتعليم والتثقيف والإعلام والتنمية ...
و في مجال العمل التثقيفي والتنويري ، كنا ننتظر الكثير لدعم كل سبل وآليات نشر الفنون والأعمال الإبداعية والتنويرية في إطار مقاومة الفكر الظلامي والتكفيري الكاره للحياة والجمال والإبداع وكل فنون إسعاد الناس وتنوير عقولهم ودعم وتطوير مساحات التناغم مع أحلامهم في التعايش الآمن والاندماج الوطني الرائع ..
ولكن ، ظلت المؤسسات الثقافية تشكو قلة الموارد والإمكانيات المالية التي من شأنها توسيع دوائر العمل الثقافي لتشمل كل مدن وقرى ونجوع محافظات مصر ... وكتبت وكتب الغير عن أهمية منح مؤسسات الثقافة والإعلام صلاحيات إنشاء أنشطة لتشجيع الشباب على ممارسة كل الفنون الإبداعية التي تدر عوائد تسنثمر كموارد مالية ، ولعل تجارب القطاع الخاص في هذا الإطار تمثل نجاحات ونماذج يمكن البناء عليها وتعميمها مثل تجربة " ساقية الصاوي " الناجحة في تشكيل منفذ للتعبير والعمل الثقافي والتنويري عبر تسويق و بيع منتجات ثقافية وإبداعية ...
في هذا الإطار يؤكد د. عماد الدين أبوغازي " وزير الثقافة الأسبق والباحث الأكاديمي الرائع على أنه " مع دخول عالمنا إلى العصر الذي أصبح يسمي عصر " مجتمع المعرفة " ازدادت قيمة الإنتاج الثقافي وأهميته، وأصبحت الصناعات الثقافية عنصرًا أساسيًا من عناصر حساب قوة الدول والشعوب، قوتها المعنوية والمادية أيضا. و يرتبط مفهوم الصناعات الثقافية ببعض الأنشطة الفكرية والإبداعية للإنسان أي بالمعني الضيق للثقافة ، فللثقافة معناها العام الذي يتفق عليه السسيولوجيون والأنثروبولوجيون باعتبارها استجابة الإنسان لإشباع حاجاته من خلال نماذج معيشية أو نماذج للفكر والعمل ابتدعها الإنسان في سبيل البحث عن إشباع هذه الحاجات المعيشية، وهي نماذج مكتسبة يصل إليها الإنسان إما بالتفكير والعقل كاستجابة للوسط الذي يعيش فيه، أو عن طريق النقل من المجتمعات الأخري، كما تتميز الثقافة بأنها اختراع أو اكتشاف إنساني ينتقل من جيل إلي جيل مع القابلية للإضافة والتعديل والتغيير. أما الثقافة بمعناها الضيق فيقصد بها الأنشطة الفكرية الإبداعية والفنية التي يمارسها الإنسان، أي أن هذا المعني ينصرف إلى الآداب والفنون بشكل أساسي ثم إلى بعض أشكال الإنتاج الفكري. ويرتبط مفهوم الصناعات الثقافية بهذا المعني الأخير للثقافة. ...".
ولا شك أن تعبير " الصناعات الثقافية " أصبح مصطلحاً فنياً مهنيا ذا معنى خاص يختلف عن صناعة الثقافة، أي صناعة الإنتاج الثقافي. ففي حين تعني هذه الصناعة المنتجات الثقافية المصنوعة: كالكتاب، واللوحة، والبرنامج التلفزيوني، وقطعة النحت، فإن الصناعات الثقافية تعني العمل التجاري والاقتصادي والمهني القائم على الإنتاج الثقافي، الشركات ورأس المال والقدرات التقنية والبشرية والمؤسسات والكليات.
وتحدد اليونسكو مصطلح الصناعات الثقافية بأنه ينطبق على تلك الصناعات التي تجمع بين ابتكار المضامين وإنتاجها والمتاجرة بها، وهي ذات طبيعة ثقافية غير ملموسة (غير قابلة للتغيير)، مضامينها محمية بقانون حقوق المؤلف، ويمكن أن تأخذ شكل البضاعة أو الخدمات. وعموماً يشمل مفهوم "الصناعات الثقافية" الطباعة والنشر والوسائط المتعددة والوسائل السمعية والبصرية، والمنتجات الفوتغرافية والسينمائية وكذلك الحرف والتصميم. وفي بعض البلدان يشمل هذا المفهوم المعمار، الفنون البصرية والأدائية والرياضة، وتصنيع الأدوات الموسيقية أو الإعلان والسياحة الثقافية.
و عليه ، بات يسعدني المشاركة والإسهام بالرأي والكتابة على صفحات جريدتنا الغراء " الدستور " لأنني أراها باتت راعية للفكر التنويري ، ولم يتم الاكتفاء بالأدوار الصحفية والإعلامية التقليدية ... أراها إصدار ثقافي هام عبر العديد من صفحات دعم الإبداع بكل أشكاله ، والاحتفاء على صفحاته برواد العمل الثقافي والفني ، وعرض نماذج من إبداعاتهم ، وإبداعات شباب الجامعات والأقاليم ..
وبالمناسبة ، يسعدني أيضًا تهنئة جريدة " القاهرة " التي تصدرها وزارة الثقافة بمناسبة تجاوز العدد ( الألف ) وإهداء التحية والعرفان لمصدرها الأول الكاتب الوطني المؤرخ " صلاح عيسى " وأسرة تحريرها وإدارتها لتحقيق العديد من الإنجازات المهنية ، ودعونا نحلم بإصدارها كأول إصدار ثقافي يومي تصدره وزارة الثقافة منذ إنشائها ، في إطار دعم تطوير الخطاب الثقافي ...
نقلا عن الدستور