في مثل هذا اليوم 6 اكتوبر1830م..
سامح جميل
محمود سامي بن حسن حسين بن عبد الله البارودي المصري ( 6 أكتوبر 1839 - 12 ديسمبر 1904)، هو شاعر مصري ولد عام 1838م من أسرة مؤثرة لها صلة بأمور الحكم. نشأ طموحا تبوأ مناصب مهمة بعد ان التحق بالسلك العسكري، وقد ثقف نفسه بالاطلاع على التراث العربي ولا سيما الأدبي؛ فقرأ دواوين الشعراء وحفظ شعرهم وهو في مقتبل عمره. أُعجب بالشعراء المُجدين مثل أبي تمام والبحتري والشريف الرضي والمتنبي وغيرهم، وهو رائد مدرسة البعث والإحياء في الشعر العربي الحديث، وهو أحد زعماء الثورة العرابية.
تولى وزارة الحربية ثم رئاسة الوزراء باختيار الثوار له. لقب برب السيف والقلم.
عمل بوزارة الخارجية وسافر إلى الأستانة عام 1857م حيث تمكن في أثناء إقامته هناك من إتقان التركية والفارسية ومطالعة آدابهما، وحفظ كثيرًا من أشعارهما، وأعانته إجادته للغة التركية والفارسية على الالتحاق بقلم كتابة السر بنظارة الخارجية التركية وظل هناك نحو سبع سنوات 1857-1863. ولما سافر الخديوي إسماعيل إلى العاصمة العثمانية بعد توليه العرش ليقدم آيات الشكر للخلافة، ألحق البارودي بحاشيته، فعاد إلى مصر في فبراير 1863م،عينه الخديوي إسماعيل معيناً لأحمد خيري باشا على إدارة المكاتبات بين مصر والأستانة.
العودة للعسكرية:
ضاق البارودي برتابة العمل الديواني وحنّ إلى حياة الجندية، فنجح في يوليو عام 1863م بالانتقال من معية الخديوي إلى الجيش برتبة بكباشي. أُلحقَ بآلاي الحرس الخديوي وعين قائدالكتيبتين من فرسانه، وأثبت كفاءة عالية في عملهِ. في أثناء ذلك اشترك في الحملة العسكرية التي خرجت سنة (1282 هـ / 1865م) لمساندة الجيش العثماني في إخماد الفتنة التي نشبت في جزيرة كريت، واستمر في تلك المهمة لمدة عامين حيث أبلى البارودي بلاء حسنًا..
لما تولّى الخديوي توفيق الحكم سنة 1879م أسند نظارة الوزارة إلى شريف باشا، فأدخل معه في الوزارة البارودي ناظرًا للمعارف والأوقاف (5 يوليو 1879
- 18 أغسطس 1879)، ونرى البارودي يُحيّي توفيق بولايته على مصر، ويستحثه إلى إصدار الدستور وتأييد الشورى
غير أن الخديوي توفيق نكص على عقبيه بعد أن تعلقت به الآمال في الإصلاح، فقبض على جمال الدين الأفغاني ونفاه من البلاد، وشرد أنصاره ومريديه، وأجبر شريف باشا على تقديم استقالته، وقبض هو على زمام الوزارة، وشكلها تحت رئاسته، وأبقى البارودي في منصبه وزيرًا للمعارف والأوقاف (18 أغسطس 1879 - 21 سبتمبر 1879)، بعدها صار وزيرًا للأوقاف في وزارة رياض (21 سبتمبر 1879 - 10 سبتمبر 1881).
ثم تولى البارودي نظارة الحربية في 14 سبتمبر 1881 في الوزارة التي شكلها شريف باشا عقب الثورة العرابية خلفًا لعثمان رفقي باشا إلى جانب وزارته للأوقاف، بعد مطالبة حركة الجيش الوطنية بقيادة عرابي بعزل رفقي، وبدأ البارودي في إصلاح القوانين العسكرية مع زيادة رواتب الضباط والجند، لكنه لم يستمر في المنصب طويلاً، فخرج من الوزارة بعد تقديم استقالته في 22 أغسطس 1881؛ نظرًا لسوء العلاقة بينه وبين رياض باشا رئيس الوزراء، الذي دس له عند الخديوي.
تولى رئاسة النظارة إلى جانب نظارة الداخلية في 4 فبراير 1882 - 17 يونيو 1882، وكان أول رئيس وزراء في تاريخ مصر لم يعينه الخديوي بل ينتخبه مجلس النواب، ومن أجل ذلك أطلقت على وزارته اسم "وزارة الثورة" أو الوزارة الوطنية.
تم كشف مؤامرة قام بها بعض الضباط الجراكسة لاغتيال البارودي وعرابي، وتم تشكيل محكمة عسكرية لمحاكمة المتهمين، فقضت بتجريدهم من رتبهم ونفيهم إلى أقاصي السودان، ولمّا رفع "البارودي" الحكم إلى الخديوي توفيق للتصديق عليه، رفض بتحريض من قنصلي إنجلترا وفرنسا، فغضب البارودي، وعرض الأمر على مجلس النظار، فقرر أنه ليس من حق الخديوي أن يرفض قرار المحكمة العسكرية العليا وفقًا للدستور، ثم عرضت الوزارة الأمر على مجلس النواب، فاجتمع أعضاؤه في منزل البارودي، وأعلنوا تضامنهم مع الوزارة، وضرورة خلع الخديوي ومحاكمته إذا استمر على دسائسه.
انتهزت إنجلترا وفرنسا هذا الخلاف، وحشدتا أسطوليهما في الإسكندرية، منذرتين بحماية الأجانب، وقدم قنصلاهما مذكرة في 7 رجب 1299 هـ / 25 مايو 1882م بضرورة استقالة الوزارة، ونفي عرابي، وتحديد إقامة بعض زملائه، وقد قابلت وزارة البارودي هذه المطالب بالرفض في الوقت الذي قبلها الخديوي توفيق، ولم يكن أمام البارودي سوى الاستقالة، ثم تطورت الأحداث، وانتهت بدخول الإنجليز مصر، والقبض على زعماء الثورة العرابية وكبار القادة المشتركين بها، وحُكِم على البارودي وستة من زملائه بالإعدام، ثم خُفف، في 3 ديسمبر 1882، إلى النفي المؤبد إلى جزيرة سرنديب (سريلانكا).
حياته في المنفى:
ظل في المنفى بمدينة كولومبو عاصمة سيريلانكا حاليا أكثر من سبعة عشر عاماً يعاني الوحدة والمرض والغربة عن وطنه، فسجّل كل ذلك في شعره النابع من ألمه وحنينه. وفي المنفى شغل البارودي نفسه بتعلم الإنجليزية حتى أتقنها، وانصرف إلى تعليم أهل الجزيرة اللغة العربية ليعرفوا لغة دينهم الحنيف، وإلى اعتلاء المنابر في مساجد المدينة ليُفقّه أهلها شعائر الإسلام. وطوال هذه الفترة نضم قصائده الخالدة، التي يسكب فيها آلامه وحنينه إلى الوطن، ويرثي من مات من أهله وأحبابه وأصدقائه، ويتذكر أيام شبابه ولهوه وما آل إليه حاله، ومضت به أيامه في المنفى ثقيلة واجتمعت عليه علل الأمراض، وفقدان الأهل والأحباب، فساءت صحته، بعد أن بلغ الستين من عمره اشتدت عليه وطأة المرض وضعف بصره فقرر عودته إلى وطنه مصر للعلاج، فعاد إلى مصر يوم 12 سبتمبر 1899م وكانت فرحته غامرة بعودته إلى الوطن ..
وفاته:
بعد عودته إلى القاهرة ترك العمل السياسي، وفتح بيته للأدباء والشعراء، يستمع إليهم، ويسمعون منه، وكان على رأسهم شوقي وحافظ ومطران، وإسماعيل صبري، وقد تأثروا به ونسجوا على منواله، فخطوا بالشعر خطوات واسعة، وأُطلق عليهم "مدرسة النهضة" أو "مدرسة الإحياء". توفي البارودي في 12 ديسمبر 1904م بعد سلسلة من الكفاح والنضال من أجل استقلال مصر وحريتها وعزتها.!