د. مينا ملاك عازر
تصوير حرب السادس من أكتوبر على أنها ثأر من ما فعلته إسرائيل في ما عُرِف إعلامياً بالنكسة في رأيي يقلل منها، فهي لم تكن حرب ثأر فقط من قتلة استباحوا دماء أسراهم مثلا أو أذلوهم، هزموهم هزيمة نكراء، وإلا كان الأولى بأن يناله نار الثأر القيادة السياسية والقيادة العليا للجيش التي تورطت في إذلال رجالنا وإهدار دماءهم وتقديمهم ذبائح لرجال لا يعرفون الإنسانية والرحمة وحقوق الإنسان وحقوق الأعداء.
في رأيي حرب أكتوبر تخطت مسألة الثأر بكثير، ووصلت لكونها حرب استراتيجية حرب تحرير لأرض بمراحل مدروسة، وإن اختلف قادتها فيما بعد بماهية تلك المراحل وتوقيتاتها وضرورتها، بيد أن المؤكد أن الجميع كن في قلبه حامل لحلم كبير وهو استرداد عزة النفس، والتي استبيحت واستذلت، لذا كان الموقف المصري سياسياً وعسكرياً متشدداً في مواجهة رأي الفريق الشاذلي الداعي لانسحاب بعض من قواتنا الاستراتيجية لمواجهة جيب إسرائيلي عرف بالثغرة.
جميع القادة الذين التقيتهم وقاتلوا في حرب السادس من أكتوبر، أكدوا لي أنه كان من الممكن تصفية ذلك الجيب مهما بلغت مساحته، بدليل فشله الذريع أمام مجموع من المدنيين الغير مدربين في احتلال السويس والاستيلاء عليها، ما يعني أنه لو كان ووجهت بنيران عسكرية مباشرة تكافئه لكانت النهاية، وهو ما كان يجري التخطيط له من قبل القيادة العامة للقوات المسلحة والقيادة السياسية العليا، ولكن اضطرت مصر لقبول وقف اطلاق النار حيث تغير الموقف بالتدخل السافر الأمريكي بأمدادها للعدو بأحدث الأسلحة مما أخل بالتوازن بين مصر والعدو.
حرب أكتوبر لم تكن عركة بين شباب على فتاة أو مجموعة من العوام على قطعة أرض، لكنها تعبير لخطورة التواجد الاستراتيجي لإسرائيل في المنطقة، ومن ثمة كانت الحرب تحاول تكبدهم أكبر قدر ممكن من الخسائر لتبليغ رسالة مفاداها أنه لا توجد حدود آمنة لهم، وهو ما تفهموه بسقوطهم في مرتفعات الجولان، وسقوط أهم مانع مائي وصناعي قناة السويس، ومن وراءه الساتر الترابي وخط بارليف.
دماء المصريين التي أريقت لا يجوز اعتبار أن الحرب مهما كانت الخسائر التي تكبدها العدو فيها ترد تلك الدماء، لكن دماء المصريين أغلى وأزكى وأنبل وتحتاج أن يبقى الإسرائيليين يتجرعون الدماء والمرار جراء ما اقترفوه من ذنب عظيم حيال آبائنا وأجدادنا الأشداء الذين نكلوا بهم، واستغلوا أنهم عزل في مواجهة سلاحهم، فأبادوهم بكل وحشية وغير إنسانية.
آخر القول، يا سادة رحم الله كل من خط قلم وقال فكرة لتنتصر مصر وكل من حافظ على هذا النصر، وكل من بذل جهد لتبقى الأرض في معيتنا ولم يهدر الزمن في مفاوضات لأجل من لا يقدرون الأرض والدماء والقيمة الاستراتيجية للأوطان والإنسان.
المختصر المفيد العرق في السلم، يوفر الدماء في الحرب.