في مثل هذا اليوم 8 اكتوبر1981م..
سامح جميل
مذبحة أسيوط 8 أكتوبر 1981 وكانت هجوم قام به تنظيم الجهاد على مديرية أمن أسيوط. راح ضحيتها 181 قتيل.
سماها البعض مذبحة.. واستقر الباحثون على تسميتها بأحداث أسيوط.. وقال عنها أيمن الظواهري الرجل الثاني في تنظيم القاعدة إنها "انتفاضة عاطفية" ذات نصيب متواضع من التخطيط. "فقد جاءت متأخرة عن قتل السادات بيومين. كما كانت تستند إلى خطة غير واقعية"..
أما الدكتور عمر عبد الرحمن فقد أفتى بأن على الذين شاركوا في تلك الأحداث أن يصوموا ستين يوماً للتكفير عن ذنبهم..باعتبار أن عمليات القتل التي ارتكبوها تندرج تحت بند القتل الخطأ..
ولنبدأ من النقطة التي أعقبت اغتيال الرئيس المصري أنور السادات. فبعد نجاح خالد الإسلامبولي وعبد الحميد عبد السلام وعطا طايل حميدة وحسين عباس - ومن ورائهم عبد السلام فرج مخططاً ومعاوناً ومعداً- في تنفيذ عملية اغتيال السادات. اجتمع على الفور في أحد أحياء أسيوط مجلس شورى الوجه القبلي بزعامة كرم زهدي.
تم الاتفاق في هذا الاجتماع على مواصلة خطة قلب نظام الحكم باستهداف خمسة أهداف للأمن في أسيوط هي مديرية الأمن هناك وقسم ثان والدورية اللاسلكية ومباحث أمن الدولة والمباحث الجنائية ونقطة شرطة إبراهيم، ثم الزحف بعد ذلك لمحافظات الوجه البحري وتثوير الجماهير. وصولاً إلى القاهرة التي سيكون عناصر الجهاد قد سيطروا فيها على الإذاعة والصحف والمناطق العسكرية الحساسة.
كان الهدف النهائي الذي سعى إليه كرم زهدي -كما تقول مراجع عدة- واضحاً: قصر عابدين.. فما الذي جرى على أرض الواقع؟
كانت الساعة تشير إلى الثالثة صباح يوم الثامن من أكتوبر عام ألف وتسعمئة وواحد وثمانين. وبينما كانت دورية مرور ليلية تقوم بعملها المعتاد في مدينة أسيوط للتأكد من استتباب الأمن بمناسبة عيد الأضحى. ضبطت هذه الدورية ثلاثة رجال كانت ضمن مجموعة تركب سيارة رُبع نقل. اشتبهت فيها الدورية وكانوا من أفراد جماعة الجهاد. اقتيد هؤلاء الرجال الثلاثة إلى قسم ثان أسيوط وتم إخطار مساعد المدير لشؤون الأمن بما حدث. فأودع
الرجال الثلاثة حجز القسم بدون مناقشتهم ومعرفة ظروف ضبطهم وهويتهم أو حتى بدون معرفة أسمائهم
وبعد حوالي ساعة طرق أحدهم بشدة على باب غرفة الحجز من الداخل وأخذ يصرخ قائلاً: "مصيبة ستحدث أثناء صلاة العيد بعد ساعتين. أريد مقابلة المأمور". وكان وقتها مأمور القسم العقيد محمود سلامة. أجاب الضابط المناوب "اخرس يا ولد. الصباح رباح. عندما يأتي البيه المأمور قل له ما تريد."
كان الشخص المضبوط يصر على الإبلاغ بما سيحدث في الساعة السادسة صباحاً.. لأنه كان مكلفاً بالعمل غير أنه بعد إلقاء القبض عليه آثر الإبلاغ عما سيحدث ليستفيد من نص القانون الذى يعفية من المسؤولية عندما تقع الأحداث.
لكن هذا الصباح لم يكن "رباح" كما توقع الضابط المناوب.
ففي الساعة السادسة صباحا وقفت سيارة بيجو لونها الأصلي أبيض مطلية بشكل رديء باللون الأزرق ورقم لوحتها 12600 ملاكي القاهرة مكتوبة باليد.. وسيارة أخرى فيات جديدة تحمل أرقام 1172 – ملاكي سوهاج أمام مبنى مديرية الأمن.
نزل من السيارتين ثمانية مسلحين وفتحوا نيران أسلحتهم الآلية على جنود الحراسة ولم تتح لهم الرد بإطلاق النار من المفاجأة وسقط الملازم أول أحمد وحيد عند مدخل المديرية. ووجدوا العميد شكري رياض مساعد المدير -وكان مرتدياً بيجامة في استراحة المديرية- فأردوه قتيلاً.. كما قتلوا بالرشاشات ستة عشر سائقاً واثنين وثلاثين جندياً. واتخذوا مواقع فوق سطح المبنى واستولوا على ثلاثين بندقية سلاح ومدفعين من طراز "برن"..وتشير المعلومات إلى أن الرائد حسن الكردي كان الناجي الوحيد من مجزرة مديرية الأمن.
في هذه الأثناء، كانت هناك سيارات تجوب شوارع المدينة تحمل مجموعات مسلحة تطلق النار على جنود الحراسة وعلى إطارات وسيارات رجال الشرطة. كما اتجهت مجموعة من المسلحين إلى مبنى مركز شرطة قسم ثانٍ في شرق أسيوط لاحتلاله وكان موجوداً به مئة وأربعة وسبعون جندياً وثلاثون ضابطاً.
في الساعة السادسة صباحاً شنت مجموعة ترتدي زي عساكر الجيش هجومها على مركز شرطة قسم أول(بندر اسيوط) في غرب أسيوط وكان يضم مئة واثني عشر جندياً وأربعة ضباط.. كان المهاجمون في البداية سبعة مسلحين. خرج معظم أفراد الوحدة لحراسة المساجد فقاومهم الملازم أول عصام مخلوف ضابط مباحث القسم بطبنجة لا تستخدم إلا كتسليح شخصي للضباط. وكان من الصعب مواجهة البنادق الآلية بطبنجة فلقي مصرعه في ثوان. قتل واحد منهم وأصيب اثنان. سحبوا القتيل وجروا إلى بيت المواطن سعيد محمد عمر أمام مبنى القسم على بعد حوالي عشرين متراً. وظل تبادل النيران لمدة ثلاث ساعات.
وحسب شهادة العقيد فتحي المسلمي مأمور القسم فإن الأحداث أخذت أكثر من منعطف. إذ يقول: بعد حضور قوات الأمن المركزى تعاملت قوات الأمن معهم بالأسلحة الآلية والقنابل المسيلة للدموع وكانت المجموعة المهاجمة قد أصبحت عشرين شخصاً ولم يستسلم غالبيتهم بل إن معظمهم فر في سيارة جيب تحمل رقم ستة مطافئ أسيوط وحولوها إلى قاعدة حصينة لإطلاق الرصاص.
ولكن عند غروب الشمس دانت لرجال الأمن السيطرة على الموقف. وكان وزير الداخلية النبوي إسماعيل قد أرسل طائرتي هليكوبتر حامتا حول المواقع التي احتلها المهاجمون لإفقادهم الأمل في استمرار تمسكهم بالمواقع وتهديدهم بتدخل قوات كبيرة من الجيش وإعلان حالة الطواريء في المدينة.
مجموعة ثالثة من المهاجمين اتجهت إلى منطقة مسجد ناصر ومباحث التموين الذي كان يحوي مئة وأربعة عشر جندياً وثلاثة ضباط.. كانت المجموعة الأخيرة مركز إمداد باقى المجموعات بالرجال والسلاح والذخيرة.. وكان أعمار المشتركين في الهجوم ما بين ثمانية عشر وستة وعشرين عاماً وعددهم ما بين ستين وسبعين رجلاً. وكانت مجموعات الهجوم المؤثرة ما بين سبعة وثمانية أفراد. منهم خمسة وثلاثون طالب ثانوي وجامعي وثلاثة تجار وثلاثة مدرسين و تسعة من الحرفيين.
خرج أعضاء تنظيم الجهاد في مجموعات صغيرة. تكونت المجموعة الأولى من فؤاد حنفي وعلي الشريف وعاصم عبد الماجد وغضبان سيد ومحمد حسن الشرقاوي. استقلت هذه المجموعة سيارة بيجو قاصدين شارع النميس وجامع ناصر. وبعد أن انتهت مهمتهم هناك انطلقوا إلى مبنى المديرية.
أصيب عاصم عبد الماجد بثلاثة أعيرة نارية في ركبته اليسرى والساق اليمنى فعجز عن الحركة. وتولى القيادة من بعده علي الشريف الذي أصيب بدوره أيضاً بثلاث رصاصات نفذ اثنان منهما بالجانب الأيسر. وعندما عجز عن الحركة تماماً تولى القيادة من بعده فؤاد حنفي الذي رأى خطورة الموقف فانسحب من مبنى المديرية وهرب واستولى على سيارة لوري شرطة وتمكن من نقل زملائه والمصابين بداخلها.. وركب العربة هو وزملاؤه بعد أن لبسوا السترات العسكرية واتجهوا إلى قسم ثانٍ أسيوط فألقوا عليه القنابل المسيلة للدموع وأطلقوا دفعات من رصاص أسلحتهم الأوتوماتيكية
في غضون ذلك خرجت مجموعة أخرى بقيادة ناجح إبراهيم مكونة من تسعة أفراد توجهوا مترجلين إلى مباحث التموين وأطلقوا النيران على من في المبنى ثم توجهوا إلى قسم أول أسيوط واستولوا على ما به من ذخائر. وهناك أصيب ناجح وبعض زملائه. وعندما رأى ناجح أنهم لايستطيعون المقاومة هرب بواسطة دراجة بخارية أحضرها له أحمد السيد رجب.
من جهته، استقل كرم زهدي وعصام دربالة وغيرهما سيارة فيات 125 وكان السائق هو خالد حنفي ثم توجهوا إلى منطقة الجمعية الشرعية وانضموا إلى زملائهم. وحاول عصام دربالة إلقاء قنبلة فانفجرت فيه وتناثرت شظاياها في جسده فنقل إلى السيارة وتوجهوا إلى طريق الغنايم قاصدين إلى الجبل. وشعرت الشرطة هناك بهم فألقى النقيب أحمد جابر مكارم القبض على كرم زهدي وعصام دربالة وأرسلهما إلى المستشفى.
قوات الأمن المركزي كانت مسلحة بالعصي والدروع. وبالتالي كانت الخسائر البشرية كبيرة: مقتل مئة وواحد وثمانين شخصاً بينهم خمسة ضباط ومئة جندي وواحد واثنا عشر من المواطنين الذين شاء حظهم وجودهم في هذه المناطق وقد كانوا في طريقهم لأداء صلاة العيد. كما أصيب المئات من المواطنين بعضهم كانت إصابته خطرة وتوفي بعد ذلك.
أدت إصابة دربالة إلى بتر يده اليمنى.. وبترت قدم عاصم عبد الماجد بسبب الإصابة.. كما أصيب علي الشريف في بطنه إصابات شديدة.. وأصيب أيضاً كرم زهدي. مما أدى إلى فشل المخطط وإلقاء القبض على قادة الهجوم أحياء وترحيلهم في طائرة خاصة إلى القاهرة بصحبة وزير الداخلية.
وفي القضية المعروفة بتنظيم الجهاد صدرت أحكام بالأشغال الشاقة المؤبدة لمدة عشرين عاماً على كرم زهدي وعاصم عبد الماجد وفؤاد الدواليبي. أما ناجح إبراهيم وعصام دربالة وعلي الشريف وأسامة حافظ فكانت أحكامهم تقضي بالسجن لمدة عشر سنوات.!!