الأقباط متحدون | حقيقة السلفية
ستظهر الصفحة بشكل مختلف لآنك تستخدم نسخة قديمة من متصفح أنترنت أكسبلورر، استخدم نسخة حديثة من انترنت اكسبلورر او أى متصفح أخر مثل فايرفوكس لمشاهدة الصفحة بشكل أفضل.
أخر تحديث ٢٣:٥١ | الأحد ١٥ يناير ٢٠١٢ | ٦ طوبة ١٧٢٨ ش | العدد ٢٦٤٠ السنة السابعة
الأرشيف
شريط الأخبار

حقيقة السلفية

الأحد ١٥ يناير ٢٠١٢ - ٠٠: ١٢ ص +03:00 EEST
حجم الخط : - +
 

بقلم: أحمد صبح
 

إن السلفية مرحلة زمنية مباركة لا مذهب إسلامي ، وهذه حقيقة أكدها محمد سعيد رمضان البوطي وجعلها عنوناً لكتابه " القيم " ، حيث بين أن السلفية هي

القرون الثلاثة الأولى من عمر هذه الأمة الإسلامية لقوله عليه الصلاة والسلام " خير الناس قرني ، ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم ، ثم يجيء أقوام تسبق شهادة أحدهم يمينه ، ويمينه شهادته " متفق عليه من حديث ابن مسعود رضي الله عنه .

وأهل القرون الثلاثة الأولى هم الصحابه والتابعون وتابعو التابعين ، وبناء عى ذلك فكلنا سلفيون !!
والالتزام بمنهج السلف هو الانضباط بقواعد فهمهم للنصوص ، والتقيد بما اتفقوا عليه من الحقائق الاعتقادية والأحكام السلوكية ، ولايتحقق ذلك إلا بالالتزام بمنهج السلف في قواعد التفسير للنصوص ، والرجوع إلى طريقتهم في أصول الاجتهاد واستنباط الأحكام .

والأئمة الأربعة كانوا يستمدون العقيدة من الكتاب والسنة ، ولكنهم مع ذلك لم يعرفوا باسم " السلفيين " لأن الشقة الزمنية بينهم وبين الصحابة والتابعين لم تكن بعيدة ، بل لعلهم رأوا وتتلمذوا على كثير من التابعين ، ولكن مع امتداد الزمان ، وانشعاب الجماعات الإسلامية في أفكارها متمذهبة بالكثير من المذاهب قديمة كالشيعة والخوارج والمعتزلة ، وحديثة كالأشاعرة والماتريدية ، نظرت هذه الجماعات الجديدة نظرة جادة إلى الانحراف الذي أصاب صلب العقيدة عن طريق المذاهب السالفة ، خصوصاً الأشاعرة الذين قويت شوكتهم وقوي سلطانهم ، واشتد الجدل بين السلفية وأصحاب المذاهب عامة ، وبينهم وبين الأشاعرة خاصة ، لأن كلا الفريقين يدعي لنفسه أنه الوحيد الذي يدعو إلى مذهب السلف ، ومالبث الفريق الجديد أن اشتد عضده ، حيث قام الإمام أحمد بن تيمية في القرن السابع يقود حركته ، ويغذي منهجه بالتأليف ، والرد على خصوم المذهب وقرع الحجة بالحجة ، والبرهان بالبرهان .

وإذا كانت السلفية عرفت هكذا في القرن السابع الهجري فليس معنى ذلك أنها أتت بجديد فواقع الأمر أن السلفيين هم امتداد لمدرسة الإمام أحمد بن حنبل ، وأن الحنابلة هم الذين وضعوا الأسس التي سار عليها السلفيون من بعد ، مثل الكلام في التوحيد وصلة ذلك بالأضرحة ، كما تناولوا آيات التأويل والتشبيه .
وقد حد السلفيون من سلطان العقل في القضايا الدينية ، وهذا النهج برغم خطورته وخشية أن يؤدي إلى الجمود ، فقد اضطر السلفيون إلى مسايرته اضطراراً بعد الشطحات والانزلاقات الكثيرة التي تردى فيها المعتزلة نتيجة لإخضاعهم كل أمور الدين للعقل .

لذلك فقد أدلى السلفيون بدلوهم في القضايا التي هزت كيان المجتمع الإسلامي العقائدي وخاض فيها أئمة الفرق المختلفة كالجبر والاختيار ، وخلق القرآن والوحدانية ، وهم في أقوالهم قد استمدوا تلك الآراء من الحنابلة الذين بنى السلفيون على آرائهم بحيث يمكن اعتبار المدرسة السلفية في ماضيها وحاضرها امتداداً لمدرسة أحمد بن حنبل ، ولكن العجيب هنا أنه إذا كان المعتزلة والمتصوفة يكفرون خصومهم الذين خاضوا في الحديث عن وحدانية الذات والصفات ، فإن السلفيين لم يكفروا خصومهم ، ولكنهم اعتبروهم أهل الزيع والأهواء ! خصوصاً الصوفية الذين يقولون بالاتحاد والفناء في الذات الإلهية لم يكفرهم السلف الصالح ، بل قالوا فيهم ماذكرنا .
وفي هذه الأيام تتحول " السلفية " إلى مصطلح جديد ، تندرج تحته فئة معينة من المسلمين تمتاز عن بقية المسلمين ببعض الفهوم المعينة ، وتختلف عنهم بمزاجها ومقاييسها ، لذلك أراها بهذا الوصف هي بدعة في الدين طارئة ، وإذا أردنا التفصيل فلا بد من الرجوع إلى كتاب الدكتور محمد رمضان البوطي ، فكلمة سلف تعني الماضين الغابرين ، قال تعالى " فجعلناهم سلفاً ومثلاً للآخرين " ، وكلمة سلف على عمومها لاتعني شيئاً محموداً أو مذموماً ، ولاتدل على معنى إسلامي ، لذلك وجب التخصيص بقولنا " السلف الصالح " ، وبعض هؤلاء لايفهم من حياة السلف إلا مايتعلق بالأمور الظاهرية ، فاهتمامهم ينصب على الثياب القصيرة ، واللحى الطويلة ، والشعور المفروقة ، وبعضهم يحاول أن ينقل في عصرنا بعض المعارك والقضايا التي لاوجود لها ، وهم يقرون أن " السلف الصالح " يتمثل في القرون الثلاثة الأولى ، وينسبون ابن تيمية وابن القيم إلى تلك المرحلة الزمنية المباركة ، رغم أنهم من أهل القرن الثامن ، ونحن مع احترامنا لهما إلا أننا لا نساويهما بأهل القرون الأولى من كبار الفقهاء والمحدثين والمفسرين ، لأن الرسول صلى الله عليه وسلم شهد لتلك القرون بالخيرية ، كما أننا لانتخذهما أرباباً من دون الله ولا ننسب لهما العصمة ، ولانقلدهما في أقوالهما ، كما هو شأن أدعياء السلفية اليوم ، حيث تمحوروا حول بعض الشخصيات ، وأنزلوهم فوق منزلتهم ، وجعلوا آراءهم واجتهاداتهم ميزاناً تُقاس به اجتهادات وآراء العلماء الآخرين ، بل سيفاً مصْلتاً على رقابهم وتناسوا علماء الإسلام من محدثين ومفسرين وفقهاء ومربين ، وحسبوا وظنوا أن كثرة الكتب وإطالة الكلام هو معيار العلم ودليل الخيرية ، وليست كثرة الكلام وشقشقته دليل خيرية للمتأخرين على المتقدمين ، قال الحافظ بن رجب رحمه الله في " فضل علم السلف على علم الخلف " : وقد فتن كثير من المتأخرين بهذا – أي بكثرة الكلام – فظنوا أن من كثر كلامه وجواله وخصامه في مسائل الدين فهو أعلم ممن ليس كذلك ، وهذا جهل محض ، وانظر إلى أكابر الصحابة وعلمائهم كأبي بكر وعمر وعثمان وعلى ومعاذ وابن مسعود وزيد بن ثابت ، كيف كان كلامهم أقل من كلام ابن عباس وهم أعلم منه !

وكذلك كلام التابعين أكثر من كلام الصحابة ، والصحابة أعلم منهم ، وكذلك تابعو التابعين كلامهم أكثر من التابعين والتابعون أعلم منهم ، فليس العلم بكثرة الرواية ولا بكثرة المقال ، ولكنه نور يُقذف في القلب ، يفهم به العبد الحق ويميزه عن الباطل ، ويعبر عن ذلك بعبارات وجيزة محصلة للمقاصد .
ويواصل ابن رجب كلامه ... " وقد ابتلينا بجهلة من الناس يعتقدون في بعض من توسع في القول من المتأخرين أنه أعلم ممن تقدم ، لكثرة بيانه ومقاله ، ومنهم من يقول : هو أعلم من الفقهاء المشهورين المتبوعين ، وهذا تنقّص عظيم بالسلف الصالح وإساءة ظن بهم ، ونسبة لهم إلى الجهل وقصور العلم ولاحول ولاقوة إلا بالله " من كتاب ابن رجب الحنبلي ص 37 " فضل علم السلف على علم الخلف "

وهانحن اليوم نجد الصورة مكررة من أدعياء السلف ، الذين يدعون لشيوخهم أنهم أعلم أهل الأرض ، وأنهم أتوا بما لم يأت به الأوائل ، فيغالون في مديحهم ويطرونهم بما لايوصف به أحد من البشر ، في الوقت الذي ينهون فيه عن مدح رسول الله صلى الله عليه وسلم الذين أُثني عليه في محكم التنزيل ، وينكرون وصفه بالسيد بأبي هو وأمي ، وللأسف نرى من بعض أدعياء السلفية أن السلفية هي التزام الرأي الواحد في مسائل الفقه وفروع العقيدة ، ويضللون من خالف اجتهادهم ورأيهم في المسائل الفرعية النابعة من الاجتهادات ، ويهملون الاجتهادات الأخرى ، وبعضهم يرى أن حدةَ الكلام ، وسلاطةَ اللسان ، وإقناعَ القول قوةٌ في الدين ، ورسوخٌ في العقيدة ! والبعض الآخر يرى تصنيف الناس ، وهجر المبتدع ، وتجهم الوجه ، والاستطالة على الناس سلفية خاصة ، فليس من مذهب السلف – أيها السلفيون – حمل الناس على اعتقاد لم يعتقده الرسول وأصحابه ، ولا امتحان الناس بما لم يمتحنهم الله تعالى به ، والعمل على الفتنة وتفريق صفوف الأمة ، إن أدعياء السلفية – ولا أقصد العلماء الأفاضل الذين سلكوا منهج السلف علماً وعملاً وأدباً وخلقاً وسلوكاً – اليوم بحاجة إلى قراءة واعية لحياة السلف في زهدهم وعبادتهم وعلمهم ، وحسن أخلاقهم ، وجميل أوصافهم ، إنهم بحاجة لتصحيح كثير من المفاهيم المغلوطة ، والأفكار المنحرفة ، والسلوكيات الشائنة ، والدعوة إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة للمسلمين وغيرهم ، والتي ليس منها تكفير الناس وتبديعهم وتفسيقهم والحط من قدرهم ، ونسبتهم إلى الخطأ والجهالة ، والاستدلال بآية تؤخذ على ظاهرها دون فقه معناها ، أو اجتزاء كلام من سياقه ، خدمة لأحقاد مريضة متأصلة ، فهذا الكلام ليس بالحق ، كما أنه ليس حقاً أريد به باطل ، بل هو محض باطل أراد به صاحبه التشكيك في تاريخ الناس ، والوصول إلى الشهرة على أشلاء وأعراض الآخرين ، إن الدين لن يشاد أحد إلا غلبه ، ومن التشديد على الناس ، محاسبتهم على النوافل والسنن كأنها فرائض ، وعلى المكروهات كأنها محرمات ، وتعظيم بعض الصغائر ، وعدم الاهتمام ببعض الكبائر كالربا والرشوة وأكل أموال الناس بالباطل ، وشهادة الزور والغيبة والنميمة والحسد والحقد ، والإضرار بالناس ، وافتراء بالأكاذيب ، وعدم إنزال الناس منازلهم ، إن أدعياء السلف لايجدون داعية يدعو إلى السعة والتيسير مفتياً الناس بما هو أرفق وأبعد للحرج عنهم في ضوء أحكام الشرع ومقاصده إلا ووُضِع عندهم في قفص الاتهام ، ووُصِف بالتحلل والتسيب ، بل يصل الأمر إلى التبديع والتفسيق والتكفير .

يقول الفيلسوف أرسطو : لابد أن يكون بين الذات المدركة والشيء المدرك نقطة تباعد ، لأن الالتصاق بالشيء يجعلك تغرق في التفاصيل فتحسب الجزء أصلاً ، كالذي لايعرف من الفيل إلا رجله ، ويصف الفيل كله دون دراية ! وماقاله أرسطو قالته العرب " أجافيكم لأعرفكم " ، " وأطلب بُعد الديار عنكم لتقربوا " ، ولن أفصّل القول ، بل سأذكر أن قضايا الأمة الأساسية كانت بعيدة عن التيار السلفي ، فانغرس البعض منهم في المراهنة على الحاكم ، فحرموا الخروج عليه ، وهذا للحق من بعض السلفية الذين هم معلومون للكافة ، وإن كان البعض الآخر لايوافقهم على ذلك ؛ فعوقبوا بالسجون وتلفيق القضايا ، وكذلك كان بعض شباب السلفية الثائر والذين خالفوا آراء مشايخهم ؛ فشاركوا في الثورة المصرية المباركة ، والبعض الآخر ينقلب اليوم مراهنين على ضعف الذاكرة المصرية ، وأذكر عناوين بعض كتبهم كـ " كالقول البته في عقد الكرافته " و " القول الوفا في حلق القفا " و " تذكير الصحبة في فضل النزول على الركبة "

و "سلطان غشوم أفضل من فتنة تدوم " !
لذلك فأنا أذكُر للجميع جزءاً من حديث الإيمان عندما سأل جبريل النبي محمداً صلى الله عليه وسلم : أخبرني ما الإيمان ؟ قال : الإيمان أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر ، وأن تؤمن بالقدر خيره وشره .... " ، وأنا أسأل - وأما السائل فلا تنهر - هل توجد فرقة في الإسلام لاتؤمن بهذه المباديء الستة ؟ إذن فما زاد فهو من إعمالات العقول والأفهام ، فلا تشغلنا الجزيرة السغيرة عن النهر العريض ، ولا تشغلنا الشجرة الواحدة عن الغابة الكثيفة ، فكل فرق الإسلام تؤمن بما جاء في حديث الإيمان " سنة – شيعة – خوارج – معتزلة – أشاعرة – ماتريدية – صوفية .. إلخ " لذلك فعلينا أن نهتم بأعماق الرسالة الإسلامية ونتحد جميعاً ، فقد قال تعالى " وإن هذه أمتكم أمة واحدة "
إنني أدعو التيار السلفي في مصر إلى ضرورة أن يراعي مصلحة الوطن ، وأن مصر فيها تجانس رائع بين مواطنيها ، باختلاف مذاهبهم وعقائدهم ، ولايوجد تخلخل تركيبي داخل هذا المجتمع ، وأن الثورة التي كانت سبباً في إنشاء التعددية الحزبية قامت لأجل مصر ، وليس لأجل جماعة معينة أو حزب معين ، فلايجوز لأحد أن يدعي الأستاذية في البناء والتشييد على هذا الشعب ، الذي هو أقدم شعب في التاريخ وله ميراثه الخاص ، وأن المملكة السعودية التي تمتليء بالمشايخ السلفية لايوجد بها مسيحي سعودي واحد ، ومع ذلك فإن الله إن جعل البيت الحرام آمناً بقوله " لتدخلن المسجد الحرام إن شاء الله آمنين " فقد قال " ادخلوا مصر إن شاء الله آمنين " ، فالأمن معلّق على المشيئة في كليهما ، ومصر كلها حرم ، ودائماً مصر تنفي الخبث عنها ، وأسماها الصحابة رضوان الله عليهم بالمحروسة ، وأنا على ثقة أن الأحزاب الدينية في مصر ستكون على مستوى المسئولية ، وستكون في خدمة مواطنيها ، لأن معدن مصر يصبغ المصريين على اختلاف عقائدهم ومذاهبهم ، ونحن اليوم تحت شمس جديدة ، وحرية جديدة ، عمّت الخصيب والجديب ، والأخضر واليابس ، والنجد والوهد ، ومرحباً بالنور السلفي ، في ثوبه الجديد فنحن منهم وهم منا وعاشت مصرنا الجديدة ، ونسأل الله للجميع التوفيق ، حكام ومحكومين ومسلمين وأقباط .




كن في قلب الحدث... انقر هنا لتحميل شريط الأدوات الخاص بالموقع لتصلك الأخبار لحظة حدوثها



تابعونا على صفحتنا علي الفيسبوك
رابط دائم :
تقييم الموضوع :