د. مينا ملاك عازر
بينما أخط سطور هذا المقال الذي بين يدي حضرتك، تركيا تلقن العالم كله درس في كيفية حرق المنظمات الأممية من الأمم المتحدة مرورا بمجلس الأمن وجامعة الدول العربية وانتهاء بالمؤسسات المحلية كوزارات الخارجية، فبينما تقوم منظمات العالم ووزارات الخارجية بإلقاء وابل من الشجب والإدانة على ما تفعله تركيا تلقي تركيا وابل من النيران وجامات القذائف وحمم البارود على شمال شرقي سوريا، بينما كان السوريون من المفترض أن يحتفلوا بذكرى النصر على العدو الإسرائيلي، صحيح هو بالنسبة لهم مش نصر أوي، لكن على كل حال كان من المفترض هذا، قررت تركيا أن تمحو الذكريات الحلوة بأفعال دنيئة لتغيير خريطة كان من المتفق عليها دولياً أن ترسم هكذا.
وهكذا هنا معني بها على الأقل دولة كردية ذات حكم ذاتي أو على الأقل الاستفادة من حقوقهم كمواطنين داخل سوريا، تواطأت القوى العظمى روسيا وأمريكا معهم وغدروا بهم وتركوهم للذئب التركي الذي يبحث عن انتصار يخلد به وجوده، ويبقي نفسه لأغلى قمة الهرم المنهار، السؤال كيف لدولة تعاني اقتصادياً وخسرت عملتها الليرة قرابة الثماني بالمئة من قيمتها أمام الدولار، أن تقدم على هذا الفعل، هل فقد أردوغان صوابه؟ هل أمن العقاب من ترامب الذي هدده علنا بأن يهدم اقتصاده لو فعل ما فعله؟ هل صم آذانه عن إعلان ترامب أنه لم يتخلى عن الأكراد أم أن ما يعلن خلاف ما يبطن، وكله تمثيلية، وتم التضحية بالأكراد أم أن المسألة تسير في اتجاه أن يقوم أكراد العراق بالتدخل لنصرة إخوانهم لتحدث الحادثة وتؤسس الدولة الكردية على الحدود الإيرانية ويبدأ أكراد إيران في إثارة القلاقل ليستقلوا وتكون ذريعة لضرب إيران؟ السيناريو يبدو أنه بعيد الأمد لكن السياسة علمتني أن القذارة لا حدود لها، والأمريكان في سبيل تحقيق حلم لهم لا يتوروا عن أن يقدموا على التضحية بأي حليف إلا إسرائيل طبعاً.
السيناريو الأقرب للواقع أن ترامب ينتقم من الأتراك، ويهدم اقتصادهم هذا إن سمح له مجلس النواب الأمريكي ومجلس الشيوخ، فيبدو أن الأول عازم على عزله، والثاني يشاور عقله برغم الأغلبية الجمهورية بالأخير، السؤال ما هو موقف الدب الرابض في الشمال؟ هل يترك أرض حليفه الأسد مستباحة من الأتراك أم أنه محاط علما بما يجري؟ وكأنه راضي بأن يقتص من الأكراد حلفاء أمريكا في إطار صفقة تصب في النهاية في مصلحته ومصلحة حليفه الضعيف الأسد، هذا ما ستكشف عنه الأيام، فانتظرونا وانتظروها.
المختصر المفيد الدم يصرخ من الأرض.
