مع استمرار العدوان التركي على الشمال السوري، بدأت دول أوروبية تتحرك للضغط على أنقرة لوقف هجومها الغاشم، غير المبرر، على الأكراد في الأراضي السورية، عن طريق تعليق تصدير الأسلحة إلى تركيا، وهي الخطوة التي أقدمت عليها هولندا وفنلندا والنرويج، فيما يستمر الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في عناد الإدانات الدولية، مؤكدا أن بلاده "لن توقف" عمليتها العسكرية في سوريا ضد الأكراد.
وأعلنت وزارة الخارجية الهولندية، اليوم، أن بلادها علقت تصدير أي شحنات أسلحة جديدة إلى أنقرة، أثر العدوان التركي على شمال شرقي سوريا، وقالت لوكالة الأنباء الفرنسية "فرانس برس": "قررت هولندا تعليق كل طلبات تصدير المعدات العسكرية الى تركيا في انتظار تطور الوضع"، فيما دعى نائب رئيس الوزراء الهولندي هوجو دي يونجي، في مؤتمر صحفي في "لاهاي" الدول الأخرى الأعضاء في الاتحاد الأوروبي إلى القيام بالأمر نفسه.
وقالت هولندا: "نحن قلقون جدا للتداعيات الإنسانية المحتملة لهذه العملية التي تهدد بإعاقة المعركة ضد تنظيم داعش وتهدد الاستقرار في المنطقة".
ويأتي ذلك الإجراء الهولندي بعد يوم من إعلان النرويج، العضو في حلف شمال الأطلسي "الناتو"، تعليق تصدير شحنات الأسلحة إلى تركيا، كما أعلنت فنلندا أمس الخميس، وقف تصدير الأسلحة إلى تركيا، وقال رئيس وزراء فنلندا، أنتي رين، إن القرار جاء بسبب العدوان التركي على شمال سوريا.
واستنكر رين، العدوان التركي على شمال شرق سوريا، وقال إن الممارسات التركية ستعمق الأزمة المعقدة الحالية في سوريا، وأن بلاده تشعر بالقلق الشديد تجاه تأثيرات هذه الممارسات على الوضع الإنساني في سوريا.
وتشنّ تركيا، منذ الأربعاء الماضي، هجوماً عسكرياً على الشمال السوري، ضد مناطق سيطرة الإدارة الذاتية الكردية، التي أبدت خشيتها من أن يُؤدي ذلك في عودة تنظيم داعش الإرهابي، الذي تحتجز قوات سوريا الديموقراطية الآلاف من مقاتليه وأفراد عائلاتهم في سجون ومخيمات مكتظة.
القمة الأوروبية تبحث الأسبوع المقبل فرض عقوبات على تركيا
من جانبها، قالت وزيرة الدولة الفرنسية للشؤون الأوروبية، إميلي دو مونشالين، إن مسألة فرض عقوبات أوروبية على تركيا ستبحث في القمة الأوروبية الأسبوع المقبل، وقالت ردا على سؤال عن احتمال فرض عقوبات أوروبية على تركيا: "بديهي أن هذا مطروح للبحث في القمة الأوروبية الأسبوع المقبل"، وفقا لما ذكرته قناة "العربية" الإخبارية.
ويبحث وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي، الاثنين المقبل، في لوكسمبورج التطورات في سوريا. وقال رئيس الوزراء الإيطالي جوزيبي كونتي، إن الاتحاد الأوروبي لا يمكنه أن يقبل الابتزاز من جانب أنقرة، مضيفا، في تصريحات بثتها وكالة أنباء "آكي" الإيطالية للأنباء: "سأقولها بوضوح وبقوة في قمة الاتحاد الأوروبي الأسبوع المقبل؛ لا يمكن للاتحاد قبول الابتزاز التركي"، مشددا على ضرورة وقف العدوان على الفور.
فيما دعا رئيس البرلمان الأوروبي السابق أنطونيو تاياني، تركيا إلى وقف عملياتها العسكرية شمال شرق سوريا، مهددا بأنه خلافا لذلك، فإن الاتحاد الأوروبي سيقطع التمويل عنها، وقال تاياني، في تصريح على هامش فعالية في روما، إنه على "الرئيس التركي رجب طيب أردوغان تعليق هجوم بلاده، لأنه بذلك يهدد بتقوية الإرهاب".
وأثار العدوان التركي غضباً دولياً واسعاً، وانتقدت دول غربية وإقليمية، هجوم أنقرة على الشمال السوري، فيما أعلنت جامعة الدول العربيّة، أمس الأول، أنّها ستعقد، غد السبت، اجتماعاً طارئاً بناء على طلب مصر للبحث في العدوان التركي على شمال سوريا.
وزير الدفاع الأمريكي: التوغل قد تكون له عواقب وخيمة على تركيا
من جانبه، شجع وزير الدفاع الأمريكي مارك إسبر، تركيا "بقوة" على وقف عمليتها العسكرية ضد المقاتلين الاكراد في سوريا، وقالت وزارة الدفاع الأمريكية "البنتاجون" في بيان، اليوم، إنه خلال اتصال هاتفي أمس الخميس بين إسبر ونظيره التركي خلوصي آكار، "شجع (الوزير الامريكي) تركيا بقوة على وقف ما تقوم به في شمال شرق سوريا"، محذرا من أن "هذا التوغل قد تكون له عواقب وخيمة على تركيا".
وأشار إسبر، بوضوح إلى أن الولايات المتحدة ترفض خطوات تركيا غير المنسقة حين تشكل خطرا على التقدم الذي احرزه التحالف الدولي ضد داعش، معربا عن قلقه حيال سلامة الطاقم الأمريكي في سوريا، رغم "اجراءات الحماية" التي اتخذتها واشنطن.
ترامب يعتزم توقيع مرسوم "يشل" الاقتصاد التركي لردع أردوغان
بدوره، أكد وزير الخزانة الأمريكي ستيفن منوتشين، في وقت لاحق اليوم، أن بلاده تستطيع "شل" الاقتصاد التركي "إذا اضطررنا إلى ذلك" مع استمرار عدوان أنقرة على المقاتلين الأكراد في شمال شرق سوريا، وقال في مؤتمر صحفي إن الرئيس "دونالد ترامب يعتزم توقيع مرسوم لردع تركيا عن مواصلة هجومها العسكري في شمال شرق سوريا"، موضحا "أنها عقوبات شديدة جدا. نأمل ألا نضطر للجوء إليها، ولكننا نستطيع شل الاقتصاد التركي إذا اضطررنا إلى ذلك".
بالرغم من الإدانات الدولية والدعوات لوقف العدوان التركي على شمال سوريا، أكد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، اليوم، أن بلاده "لن توقف" عمليتها العسكرية في سوريا ضد الأكراد، رافضا رافضا ما سماه "التهديدات" في هذا الإطار.
ارتفاع حصيلة القتلي في الجانب التركي.. وهروب "دواعش" جراء قصف أنقرة
ميدانيا، خاضت قوات "سوريا الديموقراطية"، المعروفة اختصارا باسم "قسد"، اشتباكات عنيفة ضد القوات التركية والفصائل السورية الموالية لها، في محاولة لصدّ العدوان التركي والذي أجبر عشرات آلاف المدنيين على النزوح، وقال مصدر في القوات من داخل بلدة رأس العين الحدودية لوكالة الأنباء الفرنسية "فرانس برس": "تحاول القوات التركية الهجوم من محاور عدّة لكسر خطوط دفاعنا لكن قواتنا تتصدى لها".
وأشارت "فرانس برس"، إلى دخول مجموعات من فصائل سورية موالية لأنقرة في وقت سابق، اليوم، إلى أطراف رأس العين من الجهة التركية، مضيفة أن سحباً من الدخان تصاعدت من البلدة بينما يمكن سماع أصوات رشقات وقصف مدفعي تزامناً مع تحليق الطيران.
وغداة سيطرة الجيش التركي والفصائل على 11 قرية حدودية، تمكنت "قسد"، من استعادة السيطرة على قريتين، أمس الخميس، وقال مدير "المرصد السوري"، رامي عبد الرحمن، إن هذه القوات، تستخدم "أنفاقاً وتحصينات بنتها قرب الحدود لشن هجمات مضادة وإعاقة تقدم خصومها".
ويعد العدوان التركي على شمال سوريا، هو ثالث هجوم تشنّه أنقرة مع فصائل سوريّة موالية لها في شمال سوريا، بعد هجوم أوّل في العام 2016 سيطرت بموجبه على مدن حدودية عدّة، وثان عام 2018 سيطرت على إثره على عفرين شمال سوريا.
من جانبه، قال رامي عبدالرحمن مدير "المرصد السوري لحقوق الإنسان"، مقره العاصمة البريطانية "لندن"، إن اشتباكات عنيفة بين الطرفين تركزت على جبهات عدّة في الشريط الحدودي الممتد من رأس العين "الحسكة" حتى تل أبيض "الرقة"، تزامناً مع قصف مدفعي كثيف وغارات تركية متفرقة، فيما أحصى "المرصد السوري"، مقتل سبعة مدنيين بالنيران التركية، اليوم، لترتفع بذلك حصيلة القتلى المدنيين منذ بدء الهجوم إلى 17 مدنياً، بينما قتل 41 من قوات "سوريا الديموقراطية" في حصيلة جديدة.
وفي الجانب التركي قتل 10 مدنيين، وأصيب نحو 70 آخرين، في قذائف سقطت على بلدات حدودية في محافظتي شانلي أورفا وماردين، اتهمت السلطات مقاتلين أكرادا بإطلاقها.
وفي الجانب التركي، ارتفع إجمالي عدد القتلى إلى 14 شخصا بينهم 10 مدنيين و4 جنود، وأصيب نحو 70 آخرين، منذ بدأ القصف عبر الحدود من قبل المسلحين الأكراد، وقالت وزارة الدفاع التركية، إن جنديا قتل أمس الخميس وآخر قتل اليوم الجمعة، كذلك، قتل جنديان وأصيب 3 آخرين، بقصف كردي لقاعدة عسكرية تركية قرب مدينة إعزاز شمال غربي سوريا.
وبسبب القصف التركي، قالت قوات سوريا الديموقراطية، إن خمسة معتقلين من تنظيم "داعش" الإرهابي، فروا من أحد السجون التي تديرها بعد سقوط قذائف تركية في جواره في مدينة القامشلي شمال شرقي سوريا، وأوضح مسؤول إعلامي في "قسد"، أن المعتقلين الخمسة فروا من سجن "نفكور"، الواقع عند الأطراف الغربية لمدينة القامشلي ذات الغالبية الكردية.
وكان أحد حراس السجن قال في وقت سابق لـ"فرانس برس"، إن هذا السجن يضم "مقاتلين أجانب من التنظيم"، فيما أشار مسؤول آخر في "سوريا الديموقراطية"، إلى قذائف تتساقط "باستمرار" قرب سجن جيركين الذي يؤوي أيضاً عناصر من التنظيم في المدينة.
وتبدي قوات سوريا الديموقراطية خشيتها من أن يُؤدي القصف التركي في عودة تنظيم داعش الإرهابي، الذي تحتجز قوات سوريا الديموقراطية الآلاف من مقاتليه وأفراد عائلاتهم في سجون ومخيمات مكتظة.
وتعتقل قوات "سوريا الديموقراطية"، 12 ألف عنصر من تنظيم داعش، وبين هؤلاء 2500 إلى ثلاثة آلاف أجنبي من 54 دولة، ويتوزع هؤلاء على سبعة سجون مكتظة موزعة على مدن وبلدات عدّة، بعضها عبارة عن أبنية غير مجهزة تخضع لحراسة مشددة.
ودفع الهجوم الذي تشنّه القوات التركية وفصائل سورية موالية لها، لليوم الثالث، في شمال شرق سوريا، نحو مئة ألف شخص إلى ترك منازلهم، وقالت الأمم المتحدة في بيان إن "ما يقرب من مئة ألف شخص قد غادروا منازلهم. ورغم أنه تمّ إيواء معظمهم في المجتمعات المضيفة، إلا أنّ أعداداً متزايدة منهم ما زالوا يتوافدون على مراكز الإيواء الجماعية والمدارس في الحسكة وتل تمر".
انفجار سيارة مفخخة في القامشلي.. "وداعش" الإرهابي يعلن مسؤوليته
وفي سياق آخر، قتل 6 أشخاص وأصيب آخرون في انفجار سيارة مفخخة في "القامشلي" في شمال شرقي سوريا على الحدود مع تركيا وعلى مقربة من سفح جبال طوروس بمحاذاة مدينة نصيبين التركية، فيما أعلن تنظيم داعش الإرهابي مسؤوليته عن تفجير السيارة المفخخة في مدينة القامشلي ذات الغالبية الكردية.