وكانت خديجة ذات مال وفير.. عُرف عنها عملها فى التجارة.. وكانت أحوال بنى هاشم ليست فى أحسنها، بعد أن شغل الصيد «حمزة» عن التجارة، وأصبح «العباس» يخرج بنفسه فى تجارته.. لم تكن أحوال عم الرسول «أبى طالب» جيدة.. فطلب من ابن أخيه أن يعرض على خديجة العمل لحسابها.. فأجابه سيدنا محمد، عليه الصلاة والسلام: «فلعلها ترسل إلىَّ فى ذلك».. وهذا ما حدث فعلًا.. عرفت خديجة برغبته فى العمل معها، فأرسلت إليه، وقالت له إنها سمعت عن أمانته وصدقه، فهو مَن كان يُلقَّب بـ«الصادق الأمين»..
وكانت تعرف عنه الكثير، فأخوها، العوام بن خويلد، كان متزوجًا من «صفية»، عمة محمد.. وعرضت عليه ضِعف ما سوف تعطيه لغيره من الرجال. وخرج محمد فى تجارة خديجة للشام.. وجلس فى الطريق تحت شجرة قرب صومعة أحد الرهبان.. وكان الراهب يعرف «ميسرة»، الذى كان يعمل لدى خديجة، ويرافق محمدًا فى رحلته.. فسأله عن محمد ومَن يكون، فأجابه بأنه رجل يعيش قرب الكعبة.. فكان تعليق الراهب على كلامه: «ما نزل تحت هذه الشجرة إلا نبى».. وأكملت القافلة سيرها حتى وصلت إلى الشام، وهناك طلب مشترٍ من محمد أن يُقسم باللات والعزّى على أمر فى البيعة، فرفض سيدنا محمد، عندها اشترى منه الرجل.. حكى «ميسرة» لخديجة ما سمعه من الراهب ورفض محمد القَسم بآلهة الجاهلية، فبدأت ترسخ داخلها فكرة أن هذا الرجل هو نبى هذه الأمة.. وكيف لا يكون وهو مَن يَصْدُق الناس ويؤدى الأمانات لأصحابها.. كيف لا يكون وأخلاقه كريمة والناس يحبونه؟!..
وبدأت ترجوه زوجًا لها.. ولكن ما السبيل إلى ذلك؟. أرسلت خديجة إحدى صديقاتها تستطلع أمره، وتخبره بأن خديجة ترغب فى الزواج منه، فوافق، فما كان منها إلا أن حددت له موعدًا، واستدعت عمها، عمرو بن أسد، ليُزوِّجها، وأتاها سيدنا محمد بصحبة أعمامه.. حضر زواج خديجة ومحمد أعمامه عبدالمطلب وحمزة والعباس، وصديقاه أبوبكر وعمار بن ياسر.. استقبل المجلس ابن عمها ورقة بن نوفل وابن أخيها حكيم بن خزام.. وكانت بصحبة خديجة «صفية» و«عاتكة»، ابنتا عم الرسول «عبدالمطلب»، إضافة إلى سيدات أخريات من صديقاتها.. تزوج محمد خديجة وهو فى الخامسة والعشرين من عمره وكانت هى فى الأربعين، فقد وُلدت قبل عام الفيل بخمس عشرة سنة.. عاش محمد وخديجة فى سعادة، وكانت الزوجة كل يوم تكتشف أنها أحسنت اختيار الزوج.. فقد كان زوجًا مُحِبًّا رحيمًا كريمًا صبورًا.. وعاش معهما «هند»، ابن خديجة، الذى تعلق بزوج أمه، وتعلم منه الكثير، ووهبت خديجة محمدًا خادمها «زيد».. فتعلق «زيد» بسيده تعلقًا شديدًا، فما كان منه إلا أن أعتقه، ونسبه إلى نفسه، حتى أصبح يسمى «زيد بن محمد»، إلى أن أمر الله بغير ذلك.
نقلا عن المصرى اليوم