بقلم: د. مجدى شحاته
القديس مثلث الرحمات البابا كيرلس السادس ، بابا الاسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية رجل الصلاة والمعجزات ، الذى أحب الجميع ، وأحبه الجميع ، يقبل الكل ، لايعاتب أحد ، ولا يعاقب أحد . فى العام 1963 جاءه أحد الاشخاص وكان قداسة البابا وقتها يصلى فى الكاتدرائية المرقسية يالاسكندرية ، وأخبره ان آباء المجمع المقدس قد وقعوا عريضة سيقدمونها الى رئيس الجمهورية ، يطالبون فيها عزل البابا كيرلس السادس .
( وكان أحد المطارنة هو المتزعم حركة عزل البابا ) وقد طالب الشخص الذى قدم المعلومة للبابا ان يقوم البابا بعقد المجمع المقدس لمناقشة الامر ، وكان الغرض اثارة البلبلة وشق الصف وانقسام المجمع المقدس !! .. وهنا وقف قداسة البابا كيرلس السادس بكل الثبات أمام كرسى مار مرقس الرسول عن يمين الهيكل المقدس بالكاتدرائية وهو يبخر وقال : " لو عاوزنى أنا خدامك .. لو مش عاوزنى ... اللى عاوزه ربنا يكون " .
ورفض البابا عقد المجمع المقدس ، أوحتى مجرد التحدث مع أحد من الآباء الاساقفة من أعضاء المجمع المقدس بخصوص هذا الشأن .
الامر الغريب والذى يشهد به التاريخ ، ان المطران الذى تزعم هذه الحركة الشيطانية ضد البابا لقى حتفه ومات فى اليوم التالى فجأة !! بعدها تظهر التحقيقات براءة البابا كيرلس السادس ، و تقدم كل من شارك فى التوقيع على العريضة التى كان مزمع تقديمها لرئيس الجمهورية للمطالبة بعزل البابا معترفين بخطائهم ، بعدها لم يناقش البابا كيرلس السادس أحدا فى هذا الشأن ولم يجازى أو يعاتب أو يعاقب أحد منهم ... وانتهى الامر .
ولكن آثاره مازالت محفورة فى الاذهان ، ولن ينساها التاريخ والزمان ، وتبقى عبرة لمن لا يعتبر وعظة لمن لا يتعظ .
جحور الثعالب الصغيرة المفسدة للكروم ربما تكون قليلة وليس لها أهمية أو خطورة ، لكنها كثيرا ما تكون مصدر وجع فى جسد الكنيسة فكان لابد ان نقرر ونكرر ولا نمل من التكرار ان نقضى على هذه السموم والكشف عنها لنطهر ونغسل جراح الكنيسة من تلك الاوجاع . تسلم قداسة البابا تاوضروس الثانى مسئولية قيادة الكنيسة القبطية الارثوذكسية أقوى وأقدم كنائس العالم ، فى ظل أحداث سياسية صعبة للغاية ، وازمات طائفية شرسة وطاحنة ، كان يتم فيها اختطاف وسرقة الوطن وكنيسة الله الى المجهول .
بجانب أنواء الخدمة الصعبة وأمواج الرعاية العاتية ، لكن وهبه الله قدرة احتمال جبارة ، مالا تتحمله الجبال ، ضغوط من كل اتجاه وصوب . وقداسة البابا رجل المواقف الصعبة مازال يتعرض بين الحين والآخر لحملات ممنهجة من الاكاذيب والشائعات وانعدام ضمير وافتراءات غير مسبوقة وبكل الاسف من داخل الكنيسة !! ونعلم جميعا و جيدا ان لدى قداسته الردود الكافية والشافية على كل من يقال عنه ويحاك ضده ... كم أرهبوه لكى يضعف ، وكم هددوه لكى يرتعب .. ولكن هيهات ،
لم يهتز قلبه ولا قيد أنملة لانه رجل الله ، وهم هباء .. لا شئ ، هم والعدم واحد . لكن البابا الكلى النقاء والحكمة والمحبة ، دائما وابدا يفضل السكون ويتحمل ظلم الاشرار .. يصمت ، ويتألم ، ويبكى .. ليس عن ضعف لكنها ضريبة البطاركة العظام كمن سبقوه . لقد سأل رب المجد يسوع من اتهموه زورا وبهتانا والذى اسماهم ( اولاد الافاعى ) " كيف تقدرون ان تتكلموا بالصالحات وانتم أشرار ؟ " قداسة البابا تاوضروس الثانى خليفة مار مرقس الرسول ، جاء بالانتخاب الحر واختيار السماء ، ليكون رجل الله له قيمة وقامة ، وليس من حق أى انسان وكل من هب ودب من محترفى الانفلات بالتطاول على قداستة يبث الشائعات الكاذبة والمغلوطة . العاصفة تتعالى أصواتها أحيانا ، وتهدأ أحيانا اخرى وفقا للأجواء والاحداث التى تمر فى الكنيسة ، فلا شك ولا يخفى على أحد ان هناك من داخل الكنيسة نفسها من يتربص لتحركات البابا وقراراته ، وكلها تتم تحت عنوان ( جبهة المعارضة ) !!!
فى كتاب " خبرات فى الحياة جزء 234 " كتب مثلث الرحمات قداسة البابا شنودة الثالث : " رأيت فى طريق الحياة أشخاصا لم يستطيعوا ان يخضعوا للكنيسة ، فيبذلون كل جهدهم ، لكى تخضع الكنيسة لهم !!! والعجيب ، انهم يجدون من يساعدهم على ذلك " وأضاف قداسه البابا شنودة الثالث فى جزء رقم 263 : " البعض باسم الدفاع عن الديمقراطية ينادون بوجوب وجود ( جبهة معارضة ) فى الكنيسة .. فهل هذا يتفق مع روح الكنيسة ووحدتها ؟ قد توجد ( معارضة ) فى بعض التنظيمات السياسية او التشريعية . اما الكنيسة فتقوم على نظام ( الروح الواحد ) يقول الكتاب : وكان الجمهورالذين آمنوا رأى واحد ، وروح واحد ، وهم أيضا يعملون بقلب واحد ، وفكر واحد ، واذا صلوا يرفعون صوتا واحدا الى الله .
هذه الوحدة فى الرأى هى التى تقوم عليها الكنيسة . أما ( الرأى الاخر) فيوجد فى الحوار البناء والمناقشة الهادئة وليس فى ( المعارضة ) .
الكنيسة هى جسد واحد ، كل أعضائه تتعاون معا . ولا توجد معارضة فى اتساق عمل هذا الجسد " ما سبق رأى مثلث الرحمات قداسة البابا شنودة الثالث فى بدعة ( المعارضة ) التى اخترعها البعض فى كنيسة الله !!!
جاء البابا تاوضروس الثانى بعد المتنيح مثلث الرحمات قداسة البابا شنودة الثالث ، الذى ظل على رأس الكنيسة 41 سنة حافلة بأحداث مشهودة يشهد بها كل العالم ، الامر الذى أوجد مقارنة غير متكافئة بينهما ، كانت دائما فى صالح المتنيح البابا شنودة الثالث .لقد تولى قداسة البابا تاوضروس الثانى المسئولية فى ظل ظروف سياسية ومجتمعية بالغة الصعوبة والتعقيد ، من حيث التوافق بين الدور الوطنى للكنيسة القبطية فى مساندة الدولة ، وتحملها ما قد ينجم ويترتب عن تلك المساندة من أعداء الوطن . والتاريخ يشهد بكل الحق عن بالغ الحكمة التى سلك فيها قداسة البابا بارشاد من الله ، ليجنب الوطن حرب أهلية طاحنة كما حدث فى دول صديقة مجاورة أكلت الاخضر واليابس . وتجلت أيضا حكمة وارادة واستقلالية البابا توضروس الثانى بتجنبه الانخراط مع الحرس القديم او ممن خلقوا لأنفسهم مواقف أو أدوار افتراضية فى المجتمع الكنسى . تواصلت محاولات التشويه وتصوير وجود انقسامات داخلية وتلفيق سيناريوهات مضللة فى ضوء أحداث مقتل المتنيح الانبا أبيفانيوس رئيس دير
أبو مقار فى 29 يونيو 2018 وأيضا بعد مقتل المتنيح أبونا مقار سعد كاهن كنيسة مار مرقس بشبرا الخيمة على يد حارس الكنيسة فى 13 مايو 2019 . والبابا ليس له أى علاقة بتلك الاحداث لا من بعيد أو قريب !! ولاشك مازال بين الوقت والاخر يطل علينا أعوان الشر برؤسهم عبر صفحات التواصل الاجتماعى ، تحمل حسابات مستعارة مستترة فى العالم الافتراضى تحمل عناويين مخزية مؤلمة وغير أخلاقية ، يديرون صراعا مستترا بالنيابة لمصلحة أفراد بعينهم داخل المجتمع الكنسى ، وبكل الاسف ينجرف ورائهم البعض دون ادراك للمسئولية وخطورة النتائج يتبعون اسلوب " شخصنة " الحوار مع شيطنة الاتجاهات والرؤى ، وقد نصبوا انفسهم وكلاء على الكنيسة وخدامها الاجلاء .
على كل من يسعى للفرقة والانقسام ، ان يدرك ، ويستوعب ، ويتحمل تبعات ، ما نصلى به فى القداس الالاهى ونقول : " عبادة الأوثان بالكمال اقلعها من العالم . الشيطان وكل قواته الشريرة اسحقهم وأذلهم تحت أقدامنا سريعا . الشكوك وفاعلوها أبطلهم . ولينقض افتراق فساد البدع . أعداء كنيستك يارب مثل كل زمان والان أذلهم . حل تعاظمهم . عرفهم ضعفهم سريعا ، أبطل حسدهم وساعيتهم وجنونهم وشرهم ونميمتهم التى يصنعونها فينا . يارب اجعلهم كلهم كلا شئ . وبدد مشورتهم يالله ، الذى بدد مشورة اخيتوفل " .
منذ تولى قداسة البابا تاوضروس الثانى أصبح لدى قناعة كاملة وثقة بالغة انه يعرف كافة المشاكل والتحديات التى تواجه المجتمع الكنسى والتى لايمكن الخوض فيها دفعة واحدة ولكنه الامر يتطلب تناولها تدريجيا وأن أمام البابا العديد من الملفات الشائكة لابد من الخوض فيها وفقا للظروف المتاحة .
الكل يدرك تماما ان الكنيسة لا يمكن اختزالها فى البابا او المجمع المقدس ، بل هى جماعة المؤمنين ، وان رئآسة الكنيسة ما هى الا مرحلة زمنية تاريخية تمر وتنقضى ، أما الكنيسة كمؤسسة روحية فهى مستمرة منذ نشأتها ومازال المستقبل ممتد الى المنتهى ان شاء الرب وأذن ، ونؤمن بكل الثقة واليقين فى وعد الله بأن ابواب الجحيم لن تقوى عليها .
الرجاء هو احدى الفضائل الثلاثة الكبرى التى تكلم عنها معلمنا بولس الرسول " الايمان والرجاء والمحبة . ولكن أعظمها المحبة " ( 1كو 13 :13 ) . الانسان الذى له رجاء لا ينظر الى الضيقات ، ولكن يتطلع الى رب المجد يسوع الذى قال : " أنا قد غلبت العالم " وسيبقى هذا الرجاء الى المنتهى ، فبالرجاء نربح سلاما فى القلب ، طمأنينة فى الداخل فرحا فى القلب واليوم لنا رجاء فى رب المجد ان يغلب العالم مرة أخرى ، يغلب الكراهية والحقد ، و يغلب دعاوى الانقسام والتفكك فى كنيسة الله .