سحر الجعارة
لا أحد يستطيع التكهن بمستجدات الغزو التركى لسوريا، ولا بتداعيات الحرب المفتوحة على الحدود السورية - التركية فى الساعات القادمة، نحن نحاول فقط أن نحلل الجزء الظاهر من جبل الجليد، وإزاحة بعض الغيوم فى مشهد ضبابى حزين تتسارع فيه أعداد الشهداء والنازحين من جراء الهجوم التركى البربرى.. وتتغير فيه موازين القوى الدولية بتغير مواقف الغرب وأمريكا فى انتظار الإعلان «الميئوس منه» عن قرار بعقوبات اقتصادية وسياسية بمنع حركة الطائرات الحربية التركية ومحاصرتها اقتصاديًا لوقف الاحتلال الهمجى للأراضى السورية.

العالم يحبس أنفاسه مع كل «تغريدة» للرئيس الأمريكى «ترامب»، وينتظر دورًا فاعلاً للجيش السورى، (الذى تحرك أثناء كتابة هذا المقال)، لكن الجميع يعلم جيدا أن تركيا الحليف الأول فى التعامل الاقتصادى مع إسرائيل مما جعل يد الغرب مغلولة، فالعالم الخارجى يضع أمن إسرائيل مقابل تفتيت المنطقة العربية إلى دويلات عرقية ودينية.. بينما العرب لا يزالون فى مباحثات، مكتفين ببيان «شديد اللهجة»، وآخر عن عقد قمة «بدون موعد» لدراسة عودة سوريا إلى جامعة الدول العربية.

وفى قلب هذا الصخب خرج بالفعل «785 شخصًا» من أفراد عائلات تنظيم «داعش» الإرهابى من مخيم عين عيسى للنازحين، شمالى سوريا، بعد هجوم تركى على المخيم.. وهذا هو الهدف الأول لغزو الخليفة العثمانى «رجب طيب أردوغان» للأراضى السورية.. والمعروف أن هناك 12 ألف مقاتل فى تنظيم «داعش»، فضلا عن آلاف آخرين من زوجاتهم وأطفالهم فى سجون قوات سوريا الديمقراطية «قسد».

وهنا نتذكر التقرير الذى نشرته «نيويورك بوست» الشهر الماضى وتساءلت فيه: (لماذا لا يتناول الإعلام الأمريكى علاقة حكومة أردوغان بداعش؟).. وجاء فى التقرير أن: (أردوغان التزم بـ«الجهاد العالمى»، بحسب تعبيرها، وبالتحديد التزامه بمرتزقة «داعش».. فمنذ عام 2012، يقوم جهاز المخابرات التركية - تحت إشراف «أردوغان» - بتوفير الموارد والمساعدات المادية لـ«داعش»، بينما يغض مسؤولو الجمارك الأتراك الطرف عن مجندى «داعش» الذين يتدفقون عبر حدود تركيا إلى سوريا والعراق).

كما أكدت الصحيفة أن: (جوازات السفر لعشراتٍ من مرتزقة «داعش» الذين اعتقلتهم قوات سوريا الديمقراطية فى شمال وشرق سوريا أظهرت أختام خروجٍ تركية).

ويقال إن «سمية أردوغان» - ابنة أردوغان - قد أنشأت هيئةً طبيةً كاملة، بما فى ذلك مستشفى لعلاج مقاتلى «داعش» الجرحى فى شانلى أورفة، وهى مدينة فى جنوب شرق تركيا بالقرب من الحدود السورية!.

والمعروف أن تنظيم «داعش» هو أغنى تنظيم إرهابى على مستوى العالم بعد استيلائه على الغاز والآثار الموجودة فى الدول التى اجتاحها.. وبحسب التقرير السابق ففى عام 2016، نشرت «ويكيليكس» أرشيفًا مكونًا من 58000 رسالة بريد إلكترونى توثق تورط صهر أردوغان، «بيرات البيرق»، فى مساعدة «داعش» فى التسويق للنفط المسروق من سوريا والعراق.

لقد كان «أردوغان» يبتز الدول الأوروبية بتهديده بفتح الحدود أمام اللاجئين السوريين إلى أوروبا ما لم يتم تقدم مساعدات ودعم للمنطقة الآمنة «المزعومة».. مدعيا أن تركيا أنفقت 40 مليار دولار على اللاجئين السوريين.. لكن ما سماه «ممرًا سلميًا» يمتد عبر شمال سوريا حتى دير الزور والرقة، تحول إلى حرب إبادة جماعية للأكراد والمدنيين فى شمال سوريا، فأردوغان كان يغازل أمريكا والغرب بـ (تطهير منطقة شاسعة من شمال سوريا لإبعاد المتمردين عن حدودها وإيواء ما بين 2 و3 ملايين لاجئ يقيمون حاليا فى تركيا وأوروبا)، وهو ما قد يفسر الصمت العالمى على غزو سوريا، لكن الوعد الذى قطعه «أردوغان» كان - فى الواقع - سعيًا لتحقيق حلمه بـ «دولة الخلافة الإسلامية» والتوسع على حساب الأراضى العربية.

وأصبحت الخطة واضحة: سوف يدفع، بجنون ممنهج، بحوالى 3.6 مليون لاجئ سورى فى تركيا لمواجهة أبناء وطنهم فى الشمال السورى، (وهو ما قد يمتد لعمق سوريا)، لتصبح حربه الاستعمارية: «سورية- سورية».. وساعتها سيضطر العالم أجمع للصمت والانسحاب.. وتصبح عملية تخليص سوريا من احتلال تركيا واستيطان «داعش» فيها مهمة مستحيلة.. لكن سيبقى السؤال الأخطر والأهم: إلى أين سيعيد «أردوغان» تصدير ملايين الدواعش سواء الذين تحولوا إلى إرهابيين باستضافتهم وتدريبهم ثمانى سنوات أو من سيفتح لهم أبواب السجون؟!.

سوف تنفجر القنبلة اليدوية التى صممها «أردوغان» فى وجه الجميع، ولن يقتصر الأمر على مؤامرة تركيع العرب.. ولن تردعه محاكمة مؤجلة تصنفه «مجرم حرب».. سوف يركع الجميع لديكتاتور أطاح بدستور بلاده وأذل قيادات جيشه وعزل قضاته واعتقل إعلامييه.. وسيتفرق إرهاب «داعش» فى العالم كله.. ولن ينجو أحد من المقصلة.
نقلا عن المصرى اليوم