الموضوع الأول: عدوان تركيا على سوريا ليس لإقامة منطقة عازلة بينها وبين الأكراد، أو عزل حزب العمل الكردستانى عن الأراضى التركية، أو نقل حلبة الصراع معه من الداخل التركى إلى داخل الحدود السورية، أو تكرار سيناريو لواء الإسكندرونة، ليس كل هذا فقط، بل هناك مهمة أخرى متفق عليها، وهى إعادة داعش إلى حلبة الصراع، واستدعاؤها لاستكمال مهمتها فى نسخة جديدة مفبركة، أكثر من عشرة آلاف مقاتل داعشى، كانوا قد سلموهم على سبيل الأمانة لحين استردادهم واستدعائهم، وكانوا للأسف قد خرجوا بعد تحرير الجيش السورى النظامى لمناطق كثيرة محررة، تحت حماية تركية أمريكية ومباركة سورية، وربما كانت هذه المباركة السورية لخروجهم الآمن تحت ضغط من جهات عدة، قابلتها رغبة السوريين فى التخلص منهم بأى ثمن لرفع الضغط عن مقاتليها، وقد آن الأوان لخروجهم لإشعال حروب داعشية فى مناطق قد هدأت فيها المواجهة كثيراً، وأوشكت على الشلل، وتكليف تركيا بإعادتها إلى الحياة مرة أخرى، ولنا نصيب من هؤلاء بالتأكيد، وهو أمر لا يدعو للعجب، وأظن أن خروجهم الآمن من مناطق القتال فى العراق وسوريا تحت حماية دول كثيرة كان يشير إلى هذا، ربما يكون الموضوع الثانى المقبل مرتبطاً بهذه الضغوطات وهو تهيئة الناس لقبوله والرضا به.
الموضوع الثانى: ليست كل ملفات السياسة مفتوحة ومقروءة ومتاحة أمام الجميع، فهذا يقبلها وذاك يرفضها عن جهالة، فتفسد الطبخة قبل أوانها، وليست أسرارها متداولة ويتناولها العامة على المقاهى وإلا أدرناها من دكاكين البقالة وليست من وزارات الخارجية، كل دول العالم تدير دفة سياساتها فى الغرف المغلقة، والمعلن عنها فى الغالب هو القليل، ولا يفرج عنه إلا بقدر تسيير الأمور، وتوجيه الرأى العام، المواطن فى أمريكا مثلاً لا يعلم من أمور سياسة أمريكا مع العالم الخارجى إلا القليل، ربما المواطن فى مصر حجم ما يعلمه من السياسة الدولية أكبر، واهتماماته قد فاقت اهتماماته بكثير، ولا يهمه كيف تديرها وتتعامل معها، إلا أن تكون محل خلاف حزبى ومزايدة سياسية ترتفع فيها الأصوات أو تنخفض على موائد النخب والأحزاب ومعظمها معد ومجهز مقدماً، ما يهم المواطن الأمريكى فقط مردود هذه السياسات على حياته ورفاهيته،
ونسبة البطالة والضرائب المستحقة، والتأمين الصحى وغيره من نواحى الحياة، بمعنى أدق هى «المصلحة والفائدة»، لا يناقش ولا يعترض طالما الفائدة واضحة جلية وتصب فى جيبه، وهو معيار جديد فى التعامل الدولى، هو الحاكم والآمر فى علاقات المصالح، ماذا أعطيت لتأخذ، وماذا قدمت لتنال، وماذا دفعت لتشترى، وما قبضت لتبيع، وهى معادلة آن الأوان أن نجيد فهمها، وإدراك حساباتها، فليست العلاقات بين الدول تسير إلا فى هذا المسار، فلا عطاء دون مقابل، ولا بيع دون شراء، ولا مساعدة إلا بتنازل، ولا حق دون واجب، ومَن عجز عن فهم هذه المعادلات خرج عن دائرة المصالح، أقول هذا بمناسبة أزمة سد النهضة، وربما يكون الحل فى الطريق، محكوماً بالأسس التى طرحتها سابقاً، «المصلحة» «والفائدة» وما سنحققه من أرباح وفوائد مقابل ما يحققه الغير؟ وأرجو ألا يجرنا أحد إلى شعارات جوفاء، ويافطات سوداء، تجعلنا يوماً ما فى موقف ضعيف لا نملى فيه شرطاً ولا نأخذ فيه حقاً، ونقيس كل الأمور بمقياس الفائدة والمصلحة لأمتنا وليس للغير، أتصور أن حل المشكلة ليس فى الجنوب، بل فى الشمال، وكان قد توقف فى عهد أنور السادات، وهو توصيل مياه النيل إلى إسرائيل «العهدة فى هذا علىّ شخصياً، وليس عندى معلومات رسمية،
سوى قراءاتى للمشهد»، وربما تكون هذه الضغوط علينا من هنا وهناك واليوم وغداً، لقبول هذا الوضع، ونستطيع، وهذا رأيى الشخصى أن نستفيد من هذا أفضل استفادة ممكنة، فى تعظيم مواردنا المائية وزيادة حصتنا فيها، وإشراك العالم فى الحفاظ على فاقد المياه فى رحلة النهر من المنبع حتى المصب التى تصل إلى ثمانين بالمائة فى إثيوبيا وحدها، وشق الترع فى سيناء، وزراعة أجزاء منها وتعظيم مواردها، وتأمينها من الإرهاب الدولى، وإنشاء مدن جديدة بمساهمات دولية، ويمكن بيع المياه، وهذا قانونى، إذا استكملنا مشروع توصيل المياه إلا إنه أمر صعب من الناحية المالية، وإذا كانت هناك بعض المخاوف جراء مطالبة إسرائيل بزيادة حصتها فى المستقبل نتيجة اشتراكها فى دول المصب، ما يمثل تهديداً للأمن القومى فيمكن فى المقابل زيادة حصة مصر، وترشيد الفاقد من مياه النيل فى دول المنبع، أما مخاوف الرفض الشعبى الذى واجه «السادات»، فالظروف قد اختلفت، وأرجو أن ننظر بعين الاعتبار لمصلحة الأمة المصرية، ومستقبل الأبناء أولاً، كما ينظر غيرنا من الجيران لمصلحتهم، نحن جزء من العالم نتجاوب معه، ونتبادل فيه المصالح، ونتفهم جيداً المتغيرات السياسية، ما كان يوماً مرفوضاً، أصبح اليوم مقبولاً، وما كان يوماً حراماً أصبح مكروهاً، مفيش حاجة اسمها (حسنة وأنا سيدك) فيه حاجة اسمها خد وهات، القدرة على فهم المتغيرات الدولية والتجاوب معها نعمة فقدناها، أرجو أن نستعيدها، إذا كان هذا هو الحل.
نقلا عن الوطن