د. مينا ملاك عازر
توقفنا في المقال السابق، عند كلمات سطرتها صحيفة روسية، وقلنا أنه قد تكون مضغوط عليها أو تجامل، لكن الآن نحن بصدد الاستمرار في تحليل المجريات بالمنطقة والتحركات العلنية والخفية، والقرارات الأمريكية، وكيف ينظر لها الروس أنفسهم؟
فاجأ قرار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بسحب القوات الأمريكية من السورية'> المناطق السورية المحاذية للحدود التركية خبراء السياسات الخارجية الروس، فقد قال فيودور لوكيانوف، وهو محلل متخصص بالسياسات الخارجية وقريب من الكرملين، "إن ثمة يقين متجذر هنا بأن الأمريكيين يتميزون بالذكاء، وحتى إذا أقدم الأمريكيون على اتخاذ قرار غبي، فإن هذا القرار ليس غبياً ولكننا لا نتفهم أهدافهم البعيدة". وقال "يصعب للكثيرين من الروس أن يتصوروا أن الأمريكيين قد يقومون بتصرفات مجنونة، ولكن يبدو أن بإمكانهم فعل ذلك".
والسؤال هنا في الملعب السوري، لماذا يحدث تفوق روسي محسوس وملموس؟ الإجابة بسيطة وعميقة في آن واحد، فهناك جملة من السبل التي قد تستفيد منها موسكو من الوضع القائم في شمال شرقي سوريا، فروسيا هي الداعم الرئيسي لنظام الرئيس بشّار الأسد سياسياً وعسكرياً، وكلما استعادت قوات الحكومة السورية المزيد من الأراضي، كلما كان ذلك لمصلحة موسكو، في ذات الوقت إذا انهارت سمعة أمريكا في المنطقة بوصفها حليفاً يعتمد عليه وذلك عندما تخلت عن حلفائها الأكراد، سمح هذا لروسيا أن تروّج لنفسها لدى كل الأطراف في المنطقة بوصفها الوسيط وصانع السلام الوحيد الموجود، تقوم الشرطة العسكرية الروسية الآن فعلياً بضبط خط التماس بين القوات التركية والسورية، الرسالة هنا واضحة، إذا كنتم تريدون استتباب السلام في الشرق الأوسط، عليكم اللجوء لروسيا.
كانت موسكو في السنوات الأخيرة منهمكة في محاولة إضعاف التحالفات الغربية، وعلى رأسها الاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي، عن طريق استغلال الخلافات بين الدول الأعضاء في هذه التحالفات، ولذا فإن الخلافات بين تركيا وغيرها من الدول الأعضاء في حلف شمال الأطلسي تصب في مصلحة الروس في سعيهم لدق اسفين بين الدول الأعضاء في الحلف، وكانت الولايات المتحدة قد عبرت عن معارضتها لابتياع تركيا منظومات صواريخ S-400 من روسيا.
عندما أطلقت روسيا عمليتها العسكرية المستمرة في سوريا في عام 2015، قال الكرملين إن أولويته تتلخص في دحر الإرهاب الدولي، ولكن ما من شك في أن أحد أهداف التدخل كان إعادة النفوذ الروسي إلى المنطقة ليتمكن الروس الآن انطلاقاً من قاعدتهم البحرية في طرطوس من فرض نفوذهم العسكري في حوض البحر المتوسط، وتشير تقارير إلى أن روسيا بصدد توسيع قاعدتها الجوية في اللاذقية، ويبقى السؤال الذي بدأنا به قائماً ونزيد عليه، هل ثمة أمل من تغيير في موازين القوة في المنطقة؟
يتوافق الميل الروسي لفرض النفوذ على المسرح العالمي مع فترة من التراجع والتأمل السياسي في الغرب، يقول فيودور لوكيانوف "تنظر الولايات المتحدة والقوى الأوروبية إلى الداخل أكثر مما كانت في السنوات الماضية، الذي نراه الآن أن أعداء روسيا والذين حاولوا عزلها في حالة تخبط، وعلى العكس من ذلك، أبدت روسيا قدراً كبيراً من المرونة في مواجهة الضغوط الخارجية، وحنكة في تعاملها مع الوضع في الشرق الأوسط".
يتمتع الروس بالحنكة والخبرة اللازمة بالتأكيد، كما يتمتعون الآن بنفوذ أكبر ولكن بالنسبة لروسيا، ما زالت هناك عدة مطبات لابد لهم أن يتجاوزوها، فروسيا ليست قوة اقتصادية جبارة، الاقتصاد الروسي هش، وسيكون من شأن استمرار ركوده أن يحد من طموحات موسكو على الصعيد الدولي، أما في ما يخص منطقة الشرق الأوسط، فالوضع في هذه المنطقة يتصف بالتعقيد ويعاني من الكثير من الانقسامات والكراهية وانعدام الثقة، قد تكون روسيا أصبحت القوة الأكبر في المنطقة، ولكن عليها مواجهة عملية توازن دبلوماسية عسيرة إذا كان لها استخدام نفوذها لإعادة السلم، وهذا ما نرى الرئيس الروسي يسعى له من خلال زيارته بأقوى اقتصادات في المنطقة، السعودية والإمارات، فتحالف يضم الثلاثة روسيا والسعودية والإمارات بجانب إيران التي بالفعل بجانب الروس يجعلهم الأقوى في التحكم في سوق النفط، فيحل معضلة الهشاشة التي تصيب الاقتصاد الروسي.
أعتقد الآن علينا أن نقول للرئيس السادات عفوا فخامة الرئيس، الأوراق كلها تنتقل لروسيا ليس لشطارتها فقط لكن لغباء قادة أمريكا بل ربما لجنونهم بحسب وصف معارضيه أنفسهم.
المختصر المفيد ما دايم إلا وجه الله.