بقلم : د. هاني حجاج

تحكي بابل القديمة قصة خلق مختلفة عن الرب الأعظم "ماردوك" الذي قتل الأم العظيمة وقطعها إلى قسمين القي احدهما إلى أعلى فتكونت السموات ودفن الجزء الآخر تحت قدميه، فتكونت الأراضي في العالم.

و قصة صينية قديمة تقول ان بيضة كبيرة بحجم الكون، بدا هذه البيضة مزيج من المتناقضات (إناث و ذكور، برد و حر...الخ) ثم خرج من البيضة مارد عملاق اسمه "فان كو" و كانت تزداد قامته عشرة أقدام في كل يوم، حتى بلغ طوله عنان السماء؛ فخلق جميع الأجسام السماوية مثل النجوم و الشمس و القمر و....الخ بعدها نحت في الوديان و الجبال بمدقة ذات رأس خشبي، و عندما مات فان كو تحولت الحشرات والبراغيث التي كانت تعيش في شعره إلى آدميين.
وخلقت أنثى الغراب توأمين وهما أول من خلق في العالم، و ذلك ما تقوله قصة بداية الخلق في شمال شرق سيبريا، وحسب مزاعم هذه القصة فأن زوج أنثى الغراب ذهب في رحلة طويلة لخلق الجبال والوديان، ثم تبوّل علي العالم وصنع من بوله جميع الأنهار والبحيرات في الأرض و بعد فترة ظهرت أنثى العنكبوت وخلقت السيدات!

يؤمن البوذيين بأن الكون يخلق و ينتهي ثم تعاد عملية خلقه مرة أخرى. خلال الأزمنة المختلفة، وفي بداية كل دورة لخلق الكون لتكون الأرض في الظلام، على سطح الماء و تظهر على الأرض المخلوقات الروحانية والأشباح وهي أول ما خلق على وجه الأرض، ويتم خلقها من جديد ثم تأخذ كل واحدة من هذه المخلوقات شكل الإنسان وبدأ الخلق الإنساني في التناسل ثم يخلق بعد ذلك عهد السعادة والشقاء الذي ظل مستمرا إلى يومنا هذا. وبعد فترة زمنية يذوب الكون و ينتهي وتعود الكائنات الحية إلى روح الحياة لتبدأ الدورة من جديد.

و "بوروسا"هو أول رجل خلق على وجه الأرض في احد اعتقادات الهندوسيين بشأن قصة الخلق، و جسم "بوروسا" يمثل الكون حيث كوكب الأرض هو الجزء الأسفل من هذا الجسم بينما السماوات هي الجزء الأسفل منه و يمثل الجنس البشري أجزاء مختلفة من جسد"بوروسا"؛ فذراعيه هما المحاربون و ساقيه هما عامة الشعب، أما قدميه فهما الفلاحون و الخدم.

و تقول الكتب الهندوسية المقدسة القديمة أن الكون تكون عن طريق عملية تنفس الإله "فيشنو" فعندا شهق" فيشنو" تكون الكون، ومع كل زفرة من زفراته تنبعث المخلوقات الآدمية على أشكال حبوب صغيرة، ثم تتحول مع مرور الوقت و تأخذ الشكل الآدمي.

أما الديانة الجينية و هي ديانة هندية قديمة لها كتابها المقدس الخاص و تؤمن بأن العالم المادي ابدي يتقدم على هيئة دورات واسعة المجال، و قصة نشأة الكون التي تؤمن بها هذه الجماعة تقوم على فكرة رفض فكرة الخلق من الأصل! إذ يؤمن أبناء هذه الديانة انه لا يوجد مخلوق في هذا الكون قادر على الخلق و بأنه غير منطقي أن يخلق رب مرئي هذا الكون المادي و أن هذا الكون مخلوق من تلقاء ذاته أي انه قد خلق نفسه بنفسه منقسم إلى ثلاثة أقسام (جنة ونار وارض) والأخيرة هي التي يعيش عليها الكائنات الحية.


أما عن اعتقادات السريانيين والوثنيين فقد آمنوا بالآلهة الأم التي قسّمت بحار و انهار العالم إلى قسمين، الأرض والسماء. و بعد عدة عصور بدأت الشعوب تؤمن أن الخالق الكون هو رجل و ليس امرأة و يطلقون على هذا الإله "زوج الإلهة الأم" وكان يتشكل في بعض الأحيان في هيئة ثعبان، حتي ظهرت بعض الديانات التوحيدية ونجحت في القضاء على فكرة تعدد الآلهة هذه في أماكن متعددة.

و تحكي الكثير من القبائل فى جنوب غرب أمريكا عن قصة بداية الخلق، حيث يعتقد هؤلاء انه قد عاش أسلافهم لمئات لسنوات في عالم الأرواح، في الظلام، ثم بدأوا في الظهور علي سطح الأرض لرؤية الشمس للمرة الأولى! ومن اشهر قصص خلق الوجود عندهم هي قصة الإله "ناهابو"، وهى تدور حول الحشرات التي كانت تسكن في ادني ثلاثة عوالم من العوالم الستة، ثم حدث ان طردتهم الآلهة ليسكنوا في العالم الرابع، وهناك انقسموا إلى قسمين ليبدأ ظهور أول رجل وأول امرأة في العالم. ثم صعدوا مع أبنائهم العشرة فوق شجرة كبيرة بالعالم الخامس،و هذا هو العالم الذي يعيشون فيه الآن، و هناك بدأوا في خلق الجبال و النباتات و في النهاية احضروا الآلهة ليشاركوهم الحياة فغي العالم الخامس!

و علي الرغم من تأسيس جميع الاعتقادات المسيحية علي تعاليم المسيح والقديس "بولس" و بقية القديسين، إلا أن اختلافات واضحة وعديدة عن المفهوم الأساسي للتوراة. ويؤكد بعض علماء الدين أن ثمة تباين بين اعتقادات المسيحيين المحافظين و المسيحيين التحرريين، لدرجة إتباع كل منهما طريق مختلف عن الآخر. ويصف سفر التكوين خلق الرب للكون بالترتيب، ويعلق صاحب الفضيلة"جيم هارديني" بدير جنوب ايداهو المعمداني على هذا قائلا: "لقد خلقنا الرب، و لم يخلق احدنا مصادفة و وجودنا هنا لم يكن مجرد عملية انتقال من شكل حيواني إلى آخر و كما يقول الرب في سفر التكوين أن كل مخلوق تم خلقه بنظام معين وان الإنسان خلق في يوم واحد و الحيوان خلق في يوم آخر"

ولقد دارت مناقشات عديدة بين المسيحيين المحافظين حول مفهوم كلمة (اليوم) في سفر التكوين، فهل هو اليوم الذي يتكون من أربع وعشرين ساعة أم مدة أخرى لا يعلمها إلا الله ؟ و يعتقد علماء الدين إن هذه الكلمة لها العديد من المعاني طبقا لمواقعها في سفر التكوين.

ويؤمن معظم المسيحيين المحافظون بقصة الخلق طبقا لما جاء في سفر التكوين، ففي حالة عدم ثبوت صحة هذه القصة، سوف يثبت عدم صحة بقية القصص الأخرى، مثل جنة عدن وخروج الإنسان من الجنة، والعزلة بين الإنسان وربه، ومن الممكن أيضا أن ينفي هذا قصة صلب المسيح وبعثه.

وقال بعض العلماء المسيحيين في ذلك:" إذا لم تؤمن بكلام الرب في سفر التكوين فلا تؤمن بالديانة المسيحية كلها."
والتشكيك في صحة سفر التكوين يعتبر إهانة للخالق نفسه، ومن هنا تأتى حرية الرجل في تمجيد نفسه لأخذ مكان المسيح نفسه إذا أراد.

وعن الطوائف البروتستانتية التحررية فقد شجعت الكنائس المنتمية لهذه الطوائف نظرية النشوء و الارتقاء لعشرات السنين، وعلي الرغم من وجود العديد من التفصيلات غير المفهومة عن وجود العديد من الفصائل و السلالات على كوكب الأرض؛ إلا أن العلماء و الباحثون قد استطاعوا الاتفاق علي نظرية واحدة لنشأة الكون، فالكون قد بدأ من عشرين بليون سنة عندما حدث انفجار عظيم فصل النجوم عن الشمس ثم خرج كوكب الأرض و بقية الكواكب الأخرى من احد النجوم ثم ظهرت بعد ملايين السنين أول أشكال الحياة البدائية علي سطح الأرض، وتطورت هذه الحياة حتى ظهرت العديد من الفصائل التي نراها الآن بما فيها "البشرية"و هكذا نجد بعض التحرريين على اقتناع بقصتي الخلق المذكورتان في سفر التكوين (الإصحاحين الأول و الثاني) ونجد البعض الآخر يراها مجرد أساطير.

أما الطوائف البروتستانتية المتشددة فلا يعتقد بعض أعضاؤها في نظرية النشوء، بينما يعتقد البعض الآخر أن الرب هو الذي خلق الكون من البداية ثم استخدم نظرية النشوء و الارتقاء فيما بعد.

كذلك يعتقد الكثير من اليهود في نظرية النشوء و الارتقاء و لكن مع بعض الاختلاف؛ فاليهود الارثوذوكس لا يؤمنون بهذه النظرية، و يقول(رابي بينى زيبيل) بدير ارثوذوكس مينا نايم إنهم لا يعتقدون في مثل هذه النظريات، فعندما خلق الله الكون في ستة أيام خلق المخلوقات الحية في هذا العالم كاملة النمو، فلم تمر بمراحل نمو و تطور مختلفة كما تزعم نظرية النشوء.

وأخيرا ففكرة الإسلام عن خلق الكون واضحة و صريحة وهي تعتمد علي ما ذكره الله عز وجل في كتابه الجليل" القرآن الكريم" بأنه سبحانه و تعالى هو الخالق الأوحد للكون بكافة مخلوقاته وموجوداته ثم استوى على العرش.