عادل نعمان
السيد وزير الكهرباء يصرح بأن حرارة الصيف هى سبب ارتفاع معدل استهلاك الكهرباء عن بقية شهور العام، وأن استخدام التكييفات بصورة مبالغ فيها سبب ارتفاع قيمة الفواتير، وينصح سيادته أصحاب الشكاوى بالتوجه إلى فروع شركة توزيع الكهرباء التابعة لهم للإبلاغ عن شكواهم، أو الاتصال بالخط الساخن للوزارة، مؤكداً سيادته أنه أعطى تعليمات مشددة لكل القيادات لبحث شكاوى المواطنين والرد عليهم فى اليوم نفسه، حتى يصل إلى معادلة زيرو شكاوى، أو زيرو مشاكل. كان هذا رد سيادته على تعليمات السيد الرئيس بالقضاء على شكاوى المواطنين من ارتفاع قيمة الفواتير، هذا ونود أن نرد على السيد الوزير ونقول له: لا أراك الله مكروهاً يا جناب الوزير، كما نراه من فواتير شركة الكهرباء، ولا أدركت سيادتك معاملة أسوأ من معاملة منتسبيك فى وزارة العز والنغنغة، ولا صادفت هذا الخط الساخن فتلتهب أذناك من حرارة الانتظار، ولا سمعت «ادفع بالتى هى أحسن أولاً، وبعدين اتظلم»، وهو شعار هؤلاء الرحماء الذين تطمئن إليهم فى الاستماع إلى شكاوى المواطنين وحلها، ثم ما رأى جنابك أن تستمع بنفسك لشكاوى المواطنين، تختارهم دون الحاجة إلى مساعدين أو وكلاء المحافظات، حتى لا يخدعوك، كما خدعوا غيرك، لتقف على حجم المعاناة من ارتفاع قيمة الفواتير والعشوائية فى تقدير استهلاكها، بل والمبالغة فيها، فإذا كان لكم حجة فى الإسراف فى استخدام التكييفات فى الصيف، فماذا عن الربيع والخريف وهما بلا تكييفات أو دفايات. ألا تعرف سيادتك أن كل فاتورة ظالمة على صاحبها، فرج وعز على العاملين فى وزارتكم، وأن قراءة العدادات لا تتم بانتظام فى مدة شهر الاستهلاك حتى تتخطى حاجز الدعم، فتلتهب الفواتير وتزيد من غنائم وحوافز إخواننا الأفاضل. ألا تعلم سيادتك أن فاتورة الكهرباء أصبحت هماً وغماً ونكداً على الأسرة المصرية كلها، الأب والزوجة والأولاد، وأصبحت تسبب لرب الأسرة كوابيس وهواجس ليل نهار، فيمر على الشقة من غرفة إلى أخرى، ويطفئ أنوارها و«يضلمها»، وفى كل حركة يسب ويلعن أولاده، هل تعلم جنابك أن معظم أجهزة التكييف فى البيوت أصبحت ديكوراً، ولوحة شرف معلقة على جدرانها تذكرنا بالعز الذى كنا فيه يوماً، حين كنا نستمتع بهوائه البارد ونعمائه، ونتحسر عليه أيام عمله الرسمى بعد بلوغه سن التقاعد والاستغناء، وأصبح أثراً خالداً نضيفه إلى آثار الأجداد.
ليس فى صالحكم يا سيدى الوزير مقارنة تكلفة الكهرباء بدول أخرى، أو سعر البنزين فى أوروبا مثلاً أو أمريكا الذى يزيد على سعره فى مصر، أو الغاز أو غيره، فهى معادلة ليست فى محلها، وليست إجابة لسؤال، وكأنكم تتفضلون علينا بهذا الفارق، وتتركونه لنا جوداً وكرماً، تعايروننا به كلما شكونا أو توجعنا، وهذا نصف الكيل ونصف الميزان، أما النصف الآخر فإن هذه الدول تقوم بكامل التزاماتها، كما يجب أن تقوم، وتحمل عن كاهل الناس ما يجب أن تحمله، وتؤديه باقتدار، فهو يدفع راضياً مرضياً ما يجب عليه أن يدفعه والدولة فى ذات الوقت تقوم بأداء ما يجب عليها أن تقوم به، معادلة عادلة ومتكافئة ومرضية، يدفع الضريبة راضياً فيراها فى مستوى تعليم أبنائه، وفى طرق آمنة وخدمات مرورية تضمن السلامة له ولأولاده، يدفع المستحق للدولة فينهى أعماله ومعاملاته ومصالحه فى سهولة ويسر، الدولة تأخذ باليد اليمنى وتعطى باليسرى، فتتوازن المصالح والمنافع، خذ وهات تتم بالعدل بين طرفين تعاقدا عليه، الأمر مختلف عندكم، والمعادلة ليست فى صالح المواطن وليست فى صالح الدولة أيضاً، مواطن اعتاد أن يأخذ ولا يعطى ودولة اعتادت الأمر نفسه، تأخذ ولا تعطى أيضاً، كلاهما يغش الآخر ويضحك عليه، ويقفان يتخاصمان فى المحكمة من سنوات وسنوات، فلا أنصف الشعب حكومته مهما أدت وصدقت، ولا أنصفت الحكومة الشعب مهما عانى وقاسى، ولما جاء وقت الجد والحساب والعقاب، أسقط فى يد الطرفين، وأفلس الشعب وأفلست حكومته، ولو كانا قد عدلا فيما بينهما، وأنصف كل طرف منهما الآخر، ودفع المواطن دون تهرب، وأتقن عمله وتفانى فيه دون تسيب أو إهمال أو زوغان، ولو صدقت الدولة وأنصفت وعدلت، لوجدنا ما نقتسمه ونتشارك فيه، إلا أن كل طرف أنفق ما سلبه من الآخر، وكأنه مال من حرام، فضاع على الطرفين، فما وجد طرف تعويضاً للآخر، أو رصيداً يسدده للآخر، حتى الثقة ليس لنا فيها نصيب، ولك أن تتخيل طرفين أفلسا وكل منهما مدين للآخر، كل منهما يجلس على باب الآخر يندب حظه وينعى نصيبه، ويطالبه بالسداد، فلا طال الأول بلح الشام ولا بلغ الثانى عنب اليمن، من أين نبدأ؟ ومن يبدأ منهما الآخر بالسلام والسداد؟ لا أعلم.. معذور يا سيدى الوزير ومعذور أيها الشعب.
نقلا عن الوطن