نشأته فى حى «السيدة زينب» العريق كان أحد أسباب إتقانه أصول فن التمثيل، ولم تسمح الظروف بأن يكون نجماً سينمائياً، إلا أن إسهامه فى أى عمل فنى كان يضفى عليه زخماً وقيمة كبيرة، وهو من أوائل المشاركين فى فرقة التليفزيون المسرحية منذ تأسيسها، وبعد سنوات من العمل المسرحى، تفرغ للدراما التليفزيونية منذ أواخر السبعينات، حتى بات واحداً من علاماتها. هو الفنان القدير رشوان توفيق، الذى كانت له علامات راسخة فى الدراما التليفزيونية، من «أبنائى الأعزاء شكراً» إلى مشاركته فى «محمد رسول الله»، انتقالاً إلى «الشهد والدموع»، و«المال والبنون»، حتى دوره فى «لن أعيش فى جلباب أبى».

وعلى مدار 70 عاماً قدم مجموعة كبيرة من الأعمال الفنية التى أسهمت فى تعزيز السينما المصرية، أحد مصادر القوة الناعمة لمصر، وتعاون فى تلك الأفلام مع مجموعة بارزة من المخرجين والكتاب والفنانين الذين صاغوا معاً رؤية سينمائية جديدة فى ذلك الوقت، وفى حواره لـ«الوطن»، يكشف «توفيق» كواليس مشواره الإبداعى، وإشادة الشيخ متولى الشعراوى بمسلسله «الأبطال»، فضلاً عن رأيه فى دور الفن فى محاربة الإرهاب والتطرف.. وإلى نص الحوار.

الفنان القدير: حظى فى الدراما والمسرح أكبر من السينما والمسلسلات الاجتماعية والدينية جعلت منِّى ممثلاً كبيراً
ماذا عن كواليس التحاقك بالتليفزيون المصرى وبداية عملك فيه؟

- جاءت البداية منذ مشاركتى فى سهرة تليفزيونية عام 1960، كنت أعمل وقتها كمساعد مخرج، حتى جاء إلى التليفزيون المصرى خبراء ألمان وأمريكان لتقديم محاضرات للعاملين فيما يخص التليفزيون، وقرر وقتها الخبير الأمريكى أن يقدم مسلسل «الصرخة المكتومة» بمشاركة عدد من المخرجين الجدد، وشارك وقتها فى العمل كل من محمود المليجى، وزوزو ماضى، وزيزى البدراوى، وأحمد رمزى، وقبل التصوير بـ5 أيام اعتذر «رمزى»، فرشحنى مساعد الإنتاج بأن أكون بديلاً عنه، وبالفعل مضيت العقد، وفى الكواليس وجدت الفنانة زيزى البدراوى فى منتهى التواضع، خاصة أنها وافقت على العمل مع ممثل لا يعرفه أحد، وهذا أمر طيب ما زلت أذكره لها حتى اليوم.

أحمل لـ"زيزى البدراوى" تقديراً كبيراً لموافقتها على عملى معها فى "الصرخة المكتومة" ولم يكن يعرفنى أحد وقتها


كيف جاءت فكرة تقديم مسرح التليفزيون؟
- الفكرة بدأت مع الفنان عزت العلايلى وأحمد توفيق، حيث كنا نعمل كمساعدى إخراج فى التليفزيون المصرى، وكتبنا مذكرة لوزير الإعلام عبدالقادر حاتم، بأن نقدم فكرة «مسرح التليفزيون»، وبالفعل كُلف المخرج السيد بدير بتولى تلك المهمة، فهو رجل عبقرى يعشق تفاصيل عمله، وبدأنا أول مسرحية «شىء فى صدرى»، وقرر وقتها ألا يعتمد على الشباب الجدد فقط، واستعان بنجوم كبار منهم صلاح منصور، وحمدى غيث، وزيزى البدراوى، ونعيمة وصفى، وكان من المقرر عرض المسرحية وتصويرها لمدة 15 يوماً، إلا أن الفكرة انتشرت وأصبح هناك 10 فرق مسرحية أخرى، التحق بها فيما بعد عادل إمام وسعيد صالح وعدد كبير من النجوم، وقدمنا مواسم مسرحية فى الإسكندرية، وشهدت التجربة نهضة كبرى وأتمنى عودتها مرة أخرى.

هل كانت التحضيرات الخاصة بمشاهد مسرح التليفزيون تحتاج إلى جهد إضافى؟
- أتذكر أنه كان يوجد «مشهد العمال»، وهو مشهد أساسى يمثل مسرح التليفزيون وقتها، وكان المخرج نور الدمرداش شديداً فى تعامله معنا، وقال إذا لم يتم تنفيذ هذا المشهد بجدية سألغيه، إلا أننى أصررت على أن يخرج المشهد بأفضل ما يكون، وخرجت مع الفنان عزت العلايلى، واستقررنا على أن نتقابل صباح يوم العرض، وبدأنا مذاكرة المشهد، حتى جاءت لحظة العرض، وانهال التصفيق علينا من الجمهور إعجاباً بنا، لدرجة جعلتنا نطير فرحاً بهذا، وكلنا أمل اليوم بأن تستمر تجربة مسرح التليفزيون.

أول أجر حصلت عليه بالتليفزيون كان "19 جنيهاً" مناصفة مع عزت العلايلى


كيف كانت أجور الفنانين فى التليفزيون فى ذلك الوقت؟

- أول أجر حصلت عليه من التليفزيون كان «19 جنيهاً» بالمشاركة مع الفنان عزت العلايلى، وعندما التحقت بمسرح التليفزيون حصلت على 30 جنيهاً، فقد كان التليفزيون يضع أجوراً محددة للعاملين به، وقدمت عروضاً كثيرة من خلال مسرح التليفزيون، لكنها ليست بنفس القدر الذى شارك به زملائى، وعند افتتاح مسرح البالون 1963، تم اختيارى لأقدم مسرحيات أخرى.

مسرح التليفزيون شهد نهضة كبرى فى فترة الستينات
لماذا تأخر انتقالك للسينما، رغم خبرتك فى التجارب المسرحية؟

- لم يكن لدى حظ بالسينما مثل الدراما والمسرح، وقدمت أول فيلم خلال مشوارى الفنى وكان يحمل اسم «الجزاء» مع المخرج عبدالرحمن الخميسى، لكنه كان يميل للعمل مع المسرحيين على عكس السيد بدير، لذا حرص على أن يكون الفيلم بطولة شمس البارودى وحسين الشربينى وأبوبكر عزت، ومجموعة أخرى من الفنانين، ثم قدمت دور الضابط فى فيلم «بين القصرين» 1962 مع المخرج حسن الإمام، ثم قدمت فيلم «جريمة فى الحى الهادى» مع المخرج حسام الدين مصطفى، الذى حصلت به على جائزة تمثيل، ومن أهم الكواليس أننى عملت مع الفنانة نادية لطفى، التى كنت أطلق عليها لقب «الهانم» لأنها تستطيع أن تدخل مع تفاصيل الشخصية، ثم قدمت 3 أفلام أخرى مع مخرجين شباب.

حصلت على جائزة عن "بين القصرين" ورفضت مشاركة المخرج حسن الإمام فى "السكرية" بسبب تقليص دورى
ما مبررات اعتذارك عن الجزء الثالث من «بين القصرين»؟

- تحدث معى المخرج حسن الإمام بعد فترة كبيرة وعرض علىّ دوراً صغيراً فى فيلم «السكرية» 1973، وكان المشهد يتمثل فى القبض على الفتاة التى أحببتها مع أولادها، لكننى رفضت، فكيف لم يشاهدنى فى كل هذه الأعمال ويرشحنى لدور صغير؟، رغم أن المشهد كان يتمنى أى شخص أن يقدمه ولكننى أردت إفساد ما يدور فى رأسه.

والعمل الوحيد الذى عاتبنى عليه الجمهور هو مسلسل "الشاهد الوحيد" مع فريد شوقى
ما العمل الذى تعتبره نقطة تحول فى مشوارك الفنى؟

- لا يوجد عمل بعينه يصلح أن يكون نقطة تحول فى مشوارى، لكننى أعلم أن الله سبحانه وتعالى رزقنى بموهبة أهلتنى لتقديم عدد كبير من الأدوار، ولا أعتبر نفسى نجم «سوبر ستار»، لكنى أعتقد أننى وصلت إلى مكانة «ممثل كبير»، بعدما قدمت عدداً كبيراً من الأعمال الدينية والاجتماعية، ولا يوجد عمل فنى أندم عليه فى مشوارى، لكن المسلسل الوحيد الذى عاتبنى الجمهور على تجسيده هو «الشاهد الوحيد» مع فريد شوقى.

حاربنا إسرائيل بالفن بعد "النكسة" وهيأنا الشعب لمعركة النصر
عاصرت فترة فنية مهمة بعد نكسة 1967، كيف وقف الفن كحائط صد فى مواجهة العدو؟

- أتذكر أنها كانت فترة عصيبة على الفن، فإننى كنت أصلى لله ليلاً ونهاراً بأن يأخذ حقنا من إسرائيل، وحاولنا محاربتهم من خلال الأعمال الوطنية، حيث قدمنا وقتها عملاً مسرحياً للمخرج جلال الشرقاوى على مسرح «حكيم»، وكانت فكرته تدور حول عدم الاستسلام للهزيمة، وقدمنا مسرحية تحمل اسم «ثورة قرية» عن الحركة الصهيونية من تأليف عزت العلايلى، وإخراج حسين كمال بمشاركة الفنان صلاح قابيل، ووقتها شاهدت رؤيا فى المنام للرئيس جمال عبدالناصر يقف وخلفه مجموعة من الضباط وسمعت صوتاً يقول «وحيد رمضان»، ولم أعرف تفسير تلك الرؤيا سوى بعد الانتصار فى حرب العاشر من رمضان، 6 أكتوبر 1973.

كيف ساهم الفن فى تشكيل وعى الشعب بعد النكسة؟
- الفن قادر على أن يغير شعوباً، وهو يؤثر فى مختلف طوائفهم، فالأعمال الوطنية وقت الاستنزاف أشعلت حماس الجماهير وهيأتهم للانتصار فى المعركة، وأتذكر عندما قامت والدتى بزيارة إلى «السيدة نفسية» رضى الله عنها بعد النكسة، وجدت ضابطاً كبيراً يجلس أمام مقامها الشريف، فوضعت له رغيف خبز طازجاً بجواره ودعت له قائلة «منصور بإذن الله» فابتسم لها، وبعد انتصارات 1973 ظهر «السادات» مع قادة الحرب، فسألتها هل الضابط الذى رأيته فى المقام ضمن هؤلاء؟ فأشارت إليه وعلمت وقتها أنه المشير محمد عبدالغنى الجمسى، ذلك الرجل الذى كان يحمل حملاً ثقيلاً، ويستعين بالله سبحانه وتعالى ويدعوه بالنصر فى المعركة.

أنت تنتمى إلى جيل علّم الشعب قيماً ومبادئ سامية، فكيف يمكن استعادة تلك القيم من خلال الدراما؟
- الدولة تحتاج إلى العودة للإنتاج مرة أخرى، وأن يتكاتف كبار المؤلفين والمخرجين والنجوم بلا استثناء لإنتاج أعمال جديدة يشاهدها العالم العربى بأكمله وعرضها بالخارج، مع محاولة إبعاد الجيل الجديد من الشباب عن الأعمال التى تحتوى على عنف وبلطجة، فالفن يستطيع أن يفعل ما لا تفعله السياسة، ويمكنه محاربة التطرف الفكرى، والجماعات الإرهابية مثل «داعش».

شاهدت رؤيا لـ"أنور السادات" وفسرها لى "الكفراوى" بأنه فى منزلة الشهيد
ما ذكرياتك مع الرئيس الراحل أنور السادات؟

- أنا أحب الرئيس أنور السادات، لأنه عاش الحياة بحلوها ومرها، ودعوت له بعد وفاته كثيراً بالرحمة «الله يرحمك يا سادات» وقرأت له الفاتحة، وقد رأيت فى المنام رؤيا بشأنه، حيث كان يضع يديه على كتفى اليسرى وصرخ فى وجهى قائلاً، «لا إله إلا الله» فأجبته «محمد رسول الله»، وذهبت سريعاً إلى حسب الله الكفراوى وزير الإسكان الأسبق، ففسر لى الحلم بأنه فى منزلة «الشهيد»، وقد رويت للسيدة جيهان السادات تلك الرؤيا.

سعاد حسنى عبقرية وصنعت لنفسها هالة خاصة
ما كواليس تعاملك مع السندريلا سعاد حسنى فى فيلم «نادية»؟

- «سعاد» كانت طيبة وبسيطة وعبقرية، واستطاعت أن تصنع لذاتها هالة خاصة بها، وقدمت أدواراً متعددة تنوعت بين الكوميديا والتراجيديا، ومن أبرز الكواليس التى جمعتنا فى فيلم «نادية» مشاهد صورناها فوق مركب، وكنت أراقبها أثناء تقمص شخصية «نادية»، فكانت تصمت وتكتئب، ولكن عندما تقدم دور «منى» شقيقتها أجد شخصاً آخر مبهجاً ويشع طاقة، وهو ما عكس قدرتها على تقمص الشخصية.

"الشعراوى" كان مُعجباً بدور "محمد كريم" فى "الأبطال"
ماذا عن إشادات «الإمام الشعراوى» بدور «محمد كريم» فى مسلسل «الأبطال»؟

- علمت أن الإمام الشعراوى أعجب بشخصية السيد محمد كريم فى مسلسل «الأبطال»، وقال لمن حوله عندما شاهدها «إذا رأيتم رشوان توفيق قولوا له: برافو»، وعندما قابلته فى منزله، قال لى «أنا كنت باغطى عنيّا وهما بيموتوك فى المسلسل»، وذلك تأثراً بحب المصريين للسيد محمد كريم، وتضحيته بكل شىء من أجل وطنه، وأهدانى وقتها الشيخ الشعراوى عباءة ومصحفين.

ما رأيك فيمن يلجأ لقياس الإيمان بالمظاهر الخارجية؟
- بعد زواجى بدأت أصلى ودائماً أقول «يا رب حببنى فيما تحب وكرهنى فيما تكره»، وسعدت للغاية عندما وجدت أمراء من المغاربة جاءوا ليسلموا علىّ فى السعودية ووجدت إحداهن تردد تلك العبارة قائلة «سمعتك بتقولها فى أحد البرامج»، ومنذ شهرين كنت أصلى فى مسجد بالعقار الذى أسكن فيه ووجدت شخصاً يردد «انت بتعطل الناس عن الصلاة بسبب مسلسلاتك»، فتعجبت أنه لا يزال هذا الفكر موجوداً، فإننى أتذكر واقعة أنه كان هناك لى زميل مخرج يتناول الخمر باستمرار، فقلت له «صلى واسكر» ولكن بعد 3 شهور إذا لم تقلع عن الخمر فإننى برىء منك، وحدث أن الله فتح له باب رزق كبيراً، وبعد فترة تطور ووجدت فيه شخصاً آخر لدرجة أنه قدم نفس النصيحة التى نصحته بها لزميل له وكان سبباً فى إقلاعه عن الخمر ومداومته على الصلاة، وهذا الأمر تكرر كثيراً مع فنانين آخرين، كان آخرهم تحية كاريوكا.

تحية كاريوكا ساعدتنى فى استخراج تأشيرة العمرة رغم مرضها
وهل كانت هناك علاقة تجمعك بالفنانة تحية كاريوكا عن قُرب؟

- هى من أنقى الفنانات اللاتى تعاملت معهن، وتوفيت وهى فى أعلى درجات الإيمان، وعندما كنت أشاهدها فى المدينة المنورة كانت تقول لى إنها منذ 15 يوماً تجلس هنا مع الله، وساعدتنى من قبل فى استخراج تأشيرة من أجل أداء مناسك العمرة رغم مرضها الشديد.

هل صحيح أنك منعت ابنتك هبة رشوان من التمثيل؟
- «هبة» ابنتى تعتبر من أعظم المذيعات، وتحب مصر بجنون، وجاءت لها عروض تمثيل من المنتج ممدوح الليثى لبطولة 3 أفلام، ولكننى رفضت لأنه من الصعب علىّ أن تمثل ابنتى وتتعرض لمخاطر كبيرة من المهنة، وهى مطيعة لكلامى وتحترم رأيى، ولا تعارضنى فيما أقول.

كان لرحيل زوجتك منذ شهور أثر نفسى كبير عليك، ماذا عن هذا الأثر؟
- زوجتى أصيلة، وعشرة عمرى، عاشت معى فى السراء والضراء، ومر 3 شهور على وفاتها، كأنها الدهر، وقد تعرفت عليها خلال دراستى بكلية الحقوق، حيث أُعجبت بأخلاقها وحُسن طلتها، وأثناء زيارتها لجارتى، قررت الزواج منها، رغم أنها لم تتجاوز 17 عاماً، ورغم اعتراض بعض أفراد العائلة على ارتباطها بشاب لا يزال فى مقتبل حياته، إلا أننا تزوجنا عام 1957، وحالياً أزورها مرتين فى الأسبوع فى قبرها، فإننى لا أستطيع أن أنساها لحظة، وتشغل بالى وعقلى باستمرار، وكانت تحب مشاهدة كل أعمالى وتتابع كل ما هو جديد بشأنى.

هل نحتاج أن يتم تقديم عيد الفن مرة أخرى؟
- نريد أن يعود الفن أولاً، والاهتمام بالقامات الفنية واستثمار فنها، وذلك من خلال عودة الدولة لإنتاج أعمال محترمة وهادفة مرة أخرى.

زوجتى لم تقبل الجلوس على كرسى متحرك إلا أثناء توجهها إلى لجنة الانتخابات لتأييد الرئيس "السيسى"
ما رسالتك إلى الرئيس عبدالفتاح السيسى؟

- أحب الرئيس عبدالفتاح السيسى، وزوجتى (رحمها الله) لم تقبل أن تجلس على كرسى متحرك إلا يوم الانتخابات الرئاسية لتذهب إلى اللجنة الانتخابية وتؤيده، لأنها كانت ترى أنه فى هذا اليوم يتم تقرير مصير مصر، وأتمنى من الله سبحانه وتعالى أن يعطيه الصحة والقوة والعافية، فهو لا يهدأ ويعمل باستمرار، والله يثبت أقدامه ويكفيه شر الإرهاب .