أخطأوا وركبوا القطار بدون قطع تذاكر، لم يكن يملكون ثمنها أو حاولوا التهرب، أمر بعلم الغيب، فتح لهم الباب وخيرهم، إما النزول أو الدفع أو عمل محضر، وكأنه غازي جديد يخيرهم بين ثلاثة، فاختاروا الموت، واحدة رابعة لا يعرفها هو اختاراها هما بكل شجاعة، قد يكون هذا صحيح ربما كانوا يظنون أنه في القفز من القطار نجاة من المحضر، لكن المؤكد أن من يختار القفز من القطار السريع لا يملك دفع ثمن تذكرة فيه.
لا أعجب من اختيار الشابين الذي مات والمصاب، فهنا آلاف سبقوهم ألقوا بأنفسهم في غمار البحر يتلاطمهم الموت، ويبتزهم رجال العصابات المتخصصة في التهريب في مقابل ضمان الفرار من قطار الوطن، لم يترك القائمين على الوطن الخيار لنا لنختار ما بين البقاء فيه بكرامة أو القفز منه نجاة، فأما هما فاختارا البحث عن النجاة والتخلص من تسلط وجبروت حاكم القطار، ومن سبقوهم اختاروا المخاطرة والمغامرة في سبيل البحث عن فرصة أفضل لعلهم يصلون لنقطة أفضل من تلك التي يعانون منها على أرض قطار الوطن.
البون شاسع بين القطارين، قطار الوطن والقطار السريع، القطار السريع يجري بكل سرعه نحو نهاية معروفة، أما قطار الوطن فأشعر البعض منهم أنه يحبو بهم ويسرع بآخرين، ولا أحد يعرف قبل ما يركب رايح على فين؟ فقط مضطرون، فمن حسَن حظه هاجر ومن بأس حاله فر واختار البقاء، بقى ليختار يوماً، إما القفز هرباً من بطش سلطة باطشة -الكمسري- ترفع التذاكر، ولا تراعي الرعية أو النجاة من محضر شرطة لا يرحم.
لا أبررهم، ولا أعطيهم الحق في أخذ ما لا حق لهم به، ولكن أيضا لا أعطي الحق في أن نرفع الأسعار والتذاكر واسعار الخدمات دون فائدة، ودون رحمة، بمن لا طاقة لهم بهذا الارتفاع، كما أدين الكمسري أدين من أجبره على هذا الفعل الأرعن، بأن أعطاه نسبة من ما يحصله، صحيح هو دافع لكن من يعطيه الحافز ليقوم بدوره عليه أن يعطيه المناص ليرأف من يستحق الرأفة والرحمة، هل تعرفون الرحمة؟ ارموا الشعب من القطار، وخيروه بين البقاء تحت رحمتكم أو القفز، الكل سيختار القفز حتى الذين يطبلون لكم ويرقصون ويوالونكم، ويبدون اقتناعهم، تقترفون من ذنوب، فحتى هؤلاء يفعلون هذا من باب القفز من درجة المطحونين من ركاب الوطن أما الباقين فيعرفون أنا لا مكان لهم في هذا القطار، ومتى وجدوا الفرصة في مركب يركبون، وإن وجدوه في طائرة لطاروا بها، وإن وجدوها في ثورة لثاروا، ها هم فعلوها من قبل فلا تدفعوهم مرة أخرى ليفعلوها، وذلك ليس خوف عليكم، ولكن رفق بوطن لا يتحمل ثورة أخرى، ستكون أكثر دموية من سابقتها.
المختصر المفيد ما أسوء أن تخيروا الإنسان بين الحياة بدون كرامة أو فرصة ربما تنجح في النجاة.
