كتبت - أماني موسى
ناقش الإعلامي أحمد سالم ببرنامجه "المواجهة مع النفس" المقدم عبر شاشة القاهرة والناس، قضية المرض النفسي ووصمة العار التي تلاحق المرضى النفسيين في المجتمعات العربية ومنهم مصر، قائلاً: أن المرض النفسي مثل الأمراض الجسدية المتعارف عليها، مع الفارق أن مريض الجسد يتمكن من ممارسة مهامه اليومية، على عكس المريض النفسي الذي قد يعوقه مرضه عن إتمام مهامه اليومية المتعارف عليها.
كلمة مجنون غير علمية ولا يوجد بأي قاموس علمي هذا اللفظ
وتابع، هنا في الشرق اختصروا المرض النفسي في كلمة مجنون وهي كلمة غير علمية وغير متواجدة بالقاموس الطبي، مستطردًا، أن الكثيرين يتعاملون بازدراء مع المريض النفسي في حين أن جل ما يحتاجه هو المعاملة الطيبة والحب.
وصمة الطب النفسي بدأت من رجال الدين والفراعنة عرفوا المرض النفسي وعالجوه
من جانبه قال د. طارق عكاشة، أستاذ الطب النفسي بجامعة عين شمس، أن وصمة الطب النفسي بدأت منذ أن كان المرضى النفسيين يتم الحكم عليهم من خلال رجال الدين، قبل أن يكون هناك طب نفسي، وكانوا يعتبرون أي مريض نفسي أنه ساحر أو "راكبه جن"، علمًا بأنه وقت الفراعنة لم يكن هناك وصمة المرض النفسي، لأن الفراعنة كانوا يعتقدون أن المرض النفسي يوجد في القلب أو الدماغ.
إصابة السيدات بالاكتئاب أعلى من الرجال
وأردف، لدينا جمعية أصدقاء مرضى السكر والضغط والسرطان والقلب، ولا يوجد لدينا جمعية واحدة لأصدقاء مرضى الطب النفسي أو الاكتئاب أو الفصام وخلافه، بالطبع لا، خوفًا من الوصمة المجتمعية.
وأشار إلى أن نسبة الاكتئاب في العالم تتراوح ما بين 4% إلى 6% وتزيد نسبته بين النساء أكثر من الرجال، مؤكدًا وجميع الأطباء أن الأمراض النفسية غير معدية.
د. محمد طه يعرف ما هو المرض النفسي؟
وأوضح د. محمد طه، استشاري الطب النفسي، أن الوصمة تلاحق المريض النفسي والطبيب النفسي والعلاجات النفسية، حتى أن بعض الطلبة بكلية الطب لا يكون تخصص الطب النفسي ذا أولوية لديهم، حتى لا يقال عليه دكتور المجانين.
وعرّف د. طه المرض النفسي بأنه اضطراب في طريقة التفكير أو طريقة الشعور أو السلوك، كأن تجد أفكار غريبة غير معتادة، أو أفكار لها علاقة بالوساوس، أو اضطراب في المشاعر كالحزن الشديد جدًا الذي يصل إلى درجة الاكتئاب ويعوق الشخص عن العمل وأداء مهامه، أو العكس، بأن يكون هناك فرحة شديدة جدًا، فيصبح هناك اضطراب وتباين في المشاعر.
وكذا اضطراب السلوك وأن يختلف سلوك الشخص عما هو معتاد، كالصراخ والعنف والغضب والإيذاء النفسي واللفظي للآخرين،
الفرق بين الضيق والحزن والاكتئاب
موضحًا أن هناك فارق بين الضيق والحزن والألم النفسي والاكتئاب، فالاكتئاب يعني أن الإنسان فقد متعته في العالم وفي كل ما كان يمتعه في السابق، وفقدان أمل في الحياة وحزن شديد للغاية جعل الشخص يتمنى الموت.
مريض الاكتئاب لديه حساسية مفرطة تجاه الأشخاص والأحداث من حوله
وأن مريض الاكتئاب كالشخص ذو الجلد المقلوب، فحين يمر الهواء على جلده يؤلمه، فهو ذو حساسية شديدة جدًا للألم، فتجد كثيرين من مرضى الاكتئاب يقولون ياريت لو كان عندنا سرطان، أنا أقدر أتحمل ألم السرطان، ومش قادر أتحمل حجم الألم النفسي الذي أعانيه.
الفارق بين الفصام وانفصام الشخصية
كما أن هناك فارق بين الفصام وانفصام الشخصية، فالانفصام هو أن يعيش الشخص فترة من حياته بأكثر من شخصية، أما الفصام مرض نفسي به بعض الأعراض التي لا تخطئها عين كوجود الهلاوس ورؤية وسماع أصوات لا يسمع أحد غير المريض.
وبعض الناس يكون عندهم ضلالات وهي أفكار ومعتقدات ثابتة جدًا وتأكيدها كأن تجد أحدهم يقول أنا المهدي المنتظر، أنا ربنا باعتني عشان أهدي البشرية، أو كأن يرى الشخص أن هناك أشخاص يراقبونه.
أدوية العلاج النفسي لا تسبب الإدمان أو خطأ بكيمياء الدماغ
لافتًا إلى اعتقاد البعض بأن الأدوية النفسية "بتبوظ المخ"، أو تسبب الإدمان، وحين يبدأ في كتابة "الروشتة" يطالبه المريض بعدم كتابة دواء ظنًا منه أنها تؤذي كيمياء المخ وتؤدي للإدمان، وهذا غير صحيح على الإطلاق.
الجنون لفظ أدبي ذكر في القرآن ويطلق على الشيء المجهول
وأوضحت د. ماجدة فهمي، أستاذ ورئيس قسم الطب النفسي بجامعة قناة السويس، أن الوصمة جاءت من عدم المعرفة والجهل بالأمر، فالإنسان يخاف مما يجهله، ولما يخاف من أن هذا المجهول سيأذيه، بالضرورة سيبتعد عنه، ومن ثم أشاعوا بين العامة أن المريض النفسي يمثل خطر ويبنغي البعد عنه.
وشددت بأنه لا يوجد شيء في العلم اسمه جنون، هناك أمراض مثل القلق أو الاكتئاب، أما الجنون هو مصطلح شعبي لا أساس علمي له.
وأكد على ذلك طبيب نفسي بأن الجنون هو لفظ أدبي وليس علمي، وقد ذُكر في القرآن الكريم، وأن كلمة الجنون لها علاقة بكلمة جن أو جنة أي كل ما هو خفي فهو غير معروف للناس فيطلق عليها لفظة جنون.
24% من المصريين مرضى نفسيين ومن يتلقى العلاج واحد من الألف
وأكد د. ممتاز عبد الوهاب، أستاذ الطب النفسي ورئيس الجمعية المصرية للطب النفسي، أن نحو 24% من المصريين لديهم أعراض نفسية، ونسبة الذين يتلقون العلاج لا يتعدون الواحد من الألف، أما البقية لا يتوجهون للعلاج، مشددًا أن الأسرة تعتم على هذا الأمر، حتى أن البعض يتجه للزواج دون أن يخبر شريكه بحقيقة مرضه، ولفت إلى مرض الاكتئاب يحوي بداخله 35 نوع من الاكتئاب، وكذا الفصام.
ما هو الاكتئاب البيولوجي
وأن هناك مرض اسمه الاكتئاب البيولوجي وهو يصيب 6% من الناس، بلا سبب، فتجد الشخص موفق في حياته جدًا ولكن لديه مشاعر اكتئابية.
وروى د. محمد المهدي، أستاذ الطب النفسي بجامعة الأزهر، أنه حين تقدم لتخصص الطب النفسي، قابله أحد الأقارب وأعرب عن دهشته من هذا الاختيار قائلاً: "ياااه" بأرف وألم شديد، وسأله ليه تعمل كدة يا محمد؟
مشيرًا إلى أنه واجه صعوبات في تأجير عيادة نفسية، لأن كثير من الملاك حين يعلمون بطبيعة العيادة يعتذرون، وكأن المرضى النفسيين سينتشرون بالعمارة ويعيثون فسادًا.
المرض النفسي يؤثر على 3 محاور بحياة الشخص
وشرح د. طارق عكاشة، أن هناك فارق بين العرض النفسي والمرض النفسي، فالمرض النفسي لا بد أن يؤثر على 3 محاور، أولهم قدرة المريض على أن يعمل أو يدرس، قدرة المريض على التواصل مع الآخرين، قدرة المريض على التواصل مع أسرته، بحيث يصبح لديه مشكلة في الثلاث محاور السابقة.
كيميا الدماغ
وأكد على ذلك د. ممتاز عبد الوهاب، بأن المريض النفسي يجد صعوبة في أداء مهامه اليومية، وكذا وطائفه البيولوجية وشهيته للطعام أو الشراب أو ممارسة الجنس، وكذا أن يعاني من حوله من تصرفاته.
وكشف المهدي، أن هناك نسبة من الأمراض النفسية تكون مصحوبة بأعراض جسدية، وهذا النمط ينتشر بالأكثر في الدول العربية، حيث يكون المريض خائف من الإفصاح عما يشعر به، ما يؤدي لتصاعد الأعراض وتأثيرها جسديًا.
وقالت د. جينا سليم، أن المرض النفسي قد ينتج عن خلل في كيمياء المخ فتظهر أعراض بعينها لأمراض معينة كمريض الفصام مثلاً.
وقال د. طارق عكاشة، أن ليس كل شخص يهتم بنظافته الشخصية أو غسيل اليدين يصبح مصاب بوساوس قهري، فكل شخصية بها سمات وسواسية وهذا أمر جيد تجعل الشخص ناجح ومنظم ومرتب.
أما الشخصية الوساوسية فهو الشخص الذي يريد كل شيء متقن ومضبوط بالميللي، والوساوس القهري هو أن يصبح لدى الشخص أفعال متكررة تعوقه عن ممارسة حياته.
مريض الاكتئاب استجابته للألم شديدة الحساسية
وأكد أن المريض النفسي يشعر ويحس بكل شيء، بل إن استجابته للألم تكون أدق من الشخص العادي، لدرجة أن منظمة الصحة العالمية تؤكد أن أكثر ألم يشعر به شخص هو مريض الاكتئاب، أكثر من مرضى السرطان وغيره، إذ أن ألم الاكتئاب يجعل المريض يرى أن المفر الوحيد من ألمه هو الموت أو الانتحار.