د. محمود العلايلى
أسهب الرئيس الأمريكى «ترامب» فى شرح وقائع مقتل أبوبكر البغدادى بالتفاصيل الدقيقة على الهواء فى أكثر من أربعين دقيقة، بينما استغرق سلفه «باراك أوباما» حوالى تسع دقائق فى إعلان مقتل أسامة بن لادن من قبل، وبالرغم من الفوارق بين الرجلين، وبالرغم من وجود ثمانى سنوات بين العمليتين، إلا أن الرجلين اتفقا فى أن العالم سيكون أجمل بعد مقتل كل من «بن لادن» ثم «البغدادى».
وقد تلا قتل البغدادى إعلان واشنطن مقتل «أبوالحسن المهاجر» بصفته الرجل الثانى فى داعش، بينما يُعتقد أن تتجه زعامة التنظيم إلى «عبدالله قرداش» الملقب بـ«البروفيسور»، وهو الرجل الذى ارتبط بالبغدادى على مدى ستة عشر عاما بحكم صلتهما السابقة بتنظيم القاعدة.
وغير هذا فمن المتوقع أن ينقسم إلى خلايا منتشرة فى بلدين على الأقل، تعمل بشكل مستقل عن بعضها، كما أنه من المتوقع أن تنقسم القيادة إلى ثلاثة فصائل على أسس عرقية، بينما البادى حاليا أن التنظيم يواجه مصيرا غائما بعد أن عانى فى السنوات الأخيرة من التفكك بعد أن غادرت أغلب قياداته الأراضى السورية، نتيجة خسارة التنظيم مساحات كبيرة من الأراضى التى كان يهيمن عليها فى العام 2017، حيث تلقى هزيمة كبيرة فى معركة الموصل، مما أفقده العديد من قواعده العسكرية والمدن التى كان يسيطر عليها حينها فى العراق وسوريا.
وسواء تم القضاء على البغدادى والمهاجر والتضييق على قرداش والقضاء عليه فى القريب، يظل السؤال الحائر مستمرا: هل تم القضاء على التنظيم المتوحش الذى يتبع فكر الجماعات السلفية المسلحة، والذى يهدف إلى إقامة الخلافة الإسلامية وتطبيق الشريعة، ودخل فى حروب مع من خالف آراءه مستندا على وصف هؤلاء الخصوم بالشرك أو الردة، ومن ثم استحل دماءهم ونساءهم؟
والحقيقة أن خطورة التنظيمات الإسلامية المسلحة تكمن فى أن الدم هو أقرب وأول الحلول للتداول فى أى إشكالية مطروحة، سواء كانت نزاعا داخليا على القيادة، أو خلافا فى الرأى أو التفسيرات الفقهية نهاية بالنزاعات السياسية والمعارك المسلحة، وذلك طبقا لمفاهيمهم عن الدين والانتصار لله ورسوله على من عاداهما من البشر، وهى النزعة التى تتراوح صعودا وهبوطا بين كل هذه التنظيمات الدولية، مثل القاعدة وداعش، أو الإقليمية والمحلية، مثل الجهاد والجماعة الإسلامية وأنصار بيت المقدس، دون أن نستثنى جماعة الإخوان المسلمين، التى يتصف أسلوبها بالمهادنة وعدم المواجهة المباشرة مع خصومها، مما سمح لها بوضعية خاصة فى دول العالم، بانخراطها فى أغلب المجتمعات دون إثارة الخوف أو التوجس من توجهات أعضائها، بينما كشفت مرحلة الربيع العربى عن الوجه الحقيقى للتنظيم على مستوى الاختراق الدولى، والقدرات الاقتصادية الهائلة.
والنقطة الجديرة بالاستفهام هى: هل القضاء على هذه القيادات بقتلها يحقق الأمان الدولى، أم الصبر على التنظيم تحت الحصار ليتم تفكيكه تنظيميا، وقطع سبل اتصالاته داخليا وخارجيا أولا، ثم القضاء عليه جملة واحدة لوجستيا وعسكريا وعضويا؟ لأن هذا النوع من الاصطياد المتناثر سيجعل من الناجين ذرات مستعدة للتبلور فى عدة أماكن أخرى وتكوين تنظيمات مستحدثة غير معلوم أساسها أو جذرها الفكرى، ذلك لأن المثير للقلق أن أى تنظيم جديد سيتميز عن سابقيه بشدة تطرفه، لإعلان تميزه عن سابقه ولإضفاء المصداقية على التنظيمات الموجودة لجذب مزيد من المؤيدين ومن ثم الأعضاء والمقاتلين والانتحاريين.
إن الخطورة الحقيقية للتنظيمات الإسلامية ليست فقط فى التوجهات الدموية لأعضائها، ولكن فى سذاجة مواجهتها بالإقناع والفكر باعتبارها جماعة دينية، بينما هم فى الحقيقة مجموعة من القتلة المأجورين لدول أو لتنظيمات، معتمدين على بعض الكهنة والموتورين لإحكام التمكن من قيادة حثالة من المهاويس بالدين، والمغرمين بالقتل، والمغسولة أدمغتهم من المعاتيه والانتحاريين.
نقلا عن المصرى اليوم