بقلم يوسف سيدهم
لأني ممن يؤمنون بأن مصر تسير علي درب الإصلاح والتطوير, ولأني ممن يترفقون بها وهي تواجه تحديات جمة في شتي المجالات, كنت قد انتويت ألا أنضم لمواجهة الإنتقادات المنهالة علي الإدارة السياسية والوزارة والمحليات عقد دراما سقوط الأمطار مند عشرة أيام.. ولئلا يعتقد أحد أن إحجامي هذا ناتج عن عدم تعرضي شخصيا لأهوال الأمطار الأخيرة وعوني أسجل أني في طريق عودتي من عملي مساء ثلاثاء الأزمة 22 أكتوبر وهو طريق أقطعه في الظروف العادية فيما لا يتجاوز نصف الساعة – ظللت مأسورا في سيارتي لمدة ست ساعات.. وحتي تلك الساعات الستة لم تكن كافية لبلوغي مقصدي, إنما حالفني الحظ أن أتواجب بالمصادفة في وقت ومكان خروج سيارات منتظرة بجوار الرصيف فسارعت بترك سيارتي مكانها وقطعت المسافة المتبقية والتي تقدر بحوالي 1.50 كيلومتر سيرا علي الأقدام مع وأنا أتأمل فوضي السيارات وشلل المرور ويأس المشاة الباحثين عن محطات مترو الأنفاق لتنقذهم من الأوضاع الكارثية علي السطح.. وكان من الواضح أن العالقين بالطرق, أمامهم ليل طويل كئيب قبل أن يتم فك أسرهم مع شروق فجر اليوم التالي علي أقل تقدير.
بالرغم من تلك التجربة القاسية وبالرغم من مشاعر الغضب والخنق التي تملكتني مثل الكافة إزاء ما مررنا به وما تكشف من أسبابع والتي تعد أبعد ما تكون عن أنها غضبة غير مسبوقة للطبيعة ولكنها في الحقيقة سيناريو متكرر وبائس لتهرؤ مرافق تصريف الأمطار وتقاعس وإهمال وسقوط المحليات وغياب وإختفاء أجهزة إدارة الأزمات.. بالرغم من كل ذلك لم ألعن الواقع ولم أنضم إلي مواكب العويل وسرادقات العزاء. واكتفيت بأن أقول: واقعنا المؤسف مع الإدارة المدنية يدعونا للإعتراف بأننا ما نزال في أمس الحاجة إلي أن نتعلم الانضباط والإلتزام والصرامة والحساب العسير من الإدارة العسكرية. ولنا فيما يحدث في مرفق السكك الحديدية مؤخرا أسوة حسنة.
ولعلكم تتساءلون: إذا كان الأمر كذلك ماذا جعلني أمسك القلم وأكتب إذا؟.. الحقيقة أنها تصريحات المسئولين التي استفزتني, فبدلا من إدانة التقصير الكارثي في إدارة الأزمة التي لم تفاجئ جميع الأجهزة بل ثم التحذير من قدومها مرارا, وبدلا من محاسبة المحليات علي إهمالها البشع للمرافق والطرق وقدرتها المتردية علي التعامل مع تصريف الأمطار انضم أولئك المسئولين إلي ركب إنتاج الأعذار وترديد التصريحات التي تستخف بعقولنا واستباحوا أن يستروا عوراتهم خلف أقنعة الغرور والصلف بتلقيننا دروسا في
التاريخ والجغرافيا والمناخ والارصاد الجوية وشبكات الطرق والمرافق!! .. ومن أمثلة ذلك ما يلي علما بأني لن أنسب التصريحات لمصادرها حفظا لما تبقي من ماء الوجه!!
** لا توجد شبكة تصريف أمطار في المدن القائمة نظرا لأننا من البلاد الجافة (!!).
وهذا تصريح مضحك مبكي يجب أن يرسل إلي وزير التعليم حتي يعيد النظر في المناهج المدرسية التي تعلمناها وأظن أنها ما تزال كما هي تتعلمها الأجيال المتعاقبة بأن جو مصر حار جاف صيفا, دافئ ممطر شتاء.. وعلي مر السنين تتعرض بلادنا لأمطار الشتاء التي قد تتفاوت شدتها من سنة إلي أخري, لكننا بالقطع شهدنا وسوف نظل نشهد بمواسم شتوية ممطرة تجئ في مواعيدها دون أن تباغتنا أو تخدعنا أو تطعن أجهزتها المسئولة في ظهرها!!
** التغيرات المناخية الت تجتاح العالم هي السبب الرئيسي وراء الأمطار الغزيرة (!!).
وهذا تصريح مضحك مبكي أيضا يجب أن يراجع فيه خبراء البيئة لأن مصر علي مر القرون والعقود طالما عرفت الأمطار الحفيفة والمتوسطة والغزيرة والسيول والأعاصير الموزعة عل مختلف أنحائها, وطالما أعدت وسائل مواجهة كل ذلك من شبكات تصريف الأمطار ومخرات السيول وغيرها, وطالما نجحت في درء الأخطار المحتملة لكل ذلك باليقظة والحماية والتدخل السريع.. أما القاء اللوم علي الكرة الأرضية وإدعاء أن ما يحدث في مصر غير مسبوق وجديد علينا فهو مجرد محاولة للتعتيم علي التغيرات الإدارية التي تجتاح بلادنا!!
* * تم التأكيد علي مسئؤلي المحليات علي مستوي المحافظات بتطهير جميع شبكات الصرف بالشوارع, والمرور عليها وعلي الشنايش ومخرات السيول مرة كل أسبوعين.. لكن كانت كثافة الأمطار 12 مللي لمدة ساعة ثم توقفت وعادت لمدة ساعة ونصف(!!!).. كما بلغت كمية الأمطار التي سقطت 650 ألف مترا مكهبا وهي كمية هائلة جدا(!!).. وهذا تصريح صادم ومستفز لأنه إذا كان الأمر كذلك إذا هو اعتراف بوجود شبكات صرف بالشوارع يتم تطهيرها والمرور عليها بصفة دورية – الأمر الذي يتناقض مع التصريح الأول عليه – فماذا إذا الذي حدث علي مرأي ومسمع منا جميعا ومن الاعلام المحلي والاعلام العالمي المتربص بنا – سامحكم الله – من غرق الشوارع والميادين والمباني – بما فيها مطار القاهرة الدولي – ولماذا أمطرتنا المحليات بالأعذار المعهودة من عنية (البالوعات مسدودة بالزبالة) والبالوعات مطمورة تحت أسفلت الشوارع والميول في الطرق خاطئة ولا تؤدي إلي البالوعات و المطبات الصناعية المنتشرة علي الطرق تعوق انحدار المياه في اتجاه البالوعات وأرسلنا أجهزة التدخل السريع لتطهير البالوعات وغواصين لفتح مجاري الصرف الموجودة في الأنفاق!!.. أما عن كميات الأمطار التي هطلت لمدة ساعة (!!) وبعدها تجرأت وهطلت لمدة ساعة ونصف(!!) – شوفتوا الرعب؟- وعن الـ 650 ألف متر مكتب من الأمطار الهائلة جدا التي سقطت (!!) فلست أعرف هل هي السبب غير المسبوق وراء غرق نفق العروبة؟.. وهل هي المتهم وراء اجتياح مياه الأمطار لصالات مطار القاهرة؟..!!
في النهاية أقول إن حبي لمصر وإيماني بحتمية العمل علي إقالتها من عثرتها وإلتزامي بالترفق بها إلي أن تدرك التطوير والإصلاح لا يعني قبول التعتيم علي الواقع أو تجميل الحقيقة الصادمة أو إبتلاع تصريحات مسئول غير مسئول!!!