شاركت فى نقاش الأسبوع الماضى مع أساتذة وباحثين من جامعة برلين حول طبيعة الانتفاضات التى جرت وتجرى فى العالم العربى من السودان إلى الجزائر انتهاء بلبنان والعراق، وهل يمكن وصفها بالموجة الثانية للانتفاضات العربية أم أنها تنتمى إلى مرحلة جديدة وعصر جديد مختلف؟.
والحقيقة أن التيار الغالب فى الجامعات ومراكز الأبحاث الأوروبية لا يراها موجة ثانية، ويميل إلى دراستها بشكل منفصل عما سمى بالموجة الأولى.
واللافت أنه بعد فترة من السكون وتصاعد خطاب نهاية الثورات، واعتبارها مجرد سطر فى كتاب خال من الثورات والانتفاضات الشعبية، عاد وتغير الوضع، وشهد عدد من البلاد العربية انتفاضات جديدة بعضها ترجم فى مسار سياسى لا يزال محفوفا بالمخاطر مثل السودان، وبعضها الآخر لا يزال يضغط من خلال الشارع من أجل تغيير معادلات السلطة أو إسقاط رموز النظام مثلما يجرى فى الجزائر ولبنان والعراق.
وفى ظل تكرار ظاهرة الانتفاضات الكبيرة فى كثير من البلاد العربية فى أقل من 10 سنوات يصبح من المهم على أى باحث أو كاتب أن يدرسها بعمق وأن تعمل الصحافة المصرية والعربية على مناقشة أخبارها وتحليل مساراتها لا إخفائها.
وسيظل مفيدا من زاوية علم السياسة وتحديدا مجال النظم المقارنة معرفة الميكانزيم الداخلى الذى يحكم حركة هذه الموجة سواء اعتبرناها موجة جديدة أو موجة ثانية، ونقاط ضعفها وقوتها، والفاعلين المؤثرين فى مسارها والمشتركات التى تجمع بين الموجة الأولى والثانية، وما هى الأخطاء التى وقعت فيها بعض التجارب الاولى ومفيد أن تتلافاها الموجه الجديدة.
ورغم أن الموجة الأولى تراوحت تجاربها بين التعثر والفشل وتضمنت تجربة وحيدة للنجاح وهى تونس، التى نجحت فى تحقيق انتقال ديمقراطى يعانى من تحديات كثيرة.
والملاحظ أن الغالبية العظمى من البلاد العربية التى حدث فيها انتفاضات عانت من منظومة الحكم الطويل، فقد شكل بقاء حسنى مبارك فى السلطة 30 عاما عاملا رئيسيا وراء اندلاع ثورة يناير فى مصر، ونفس الأمر ينسحب على الرئيس التونسى الراحل زين العابدين بن على الذى بقى فى السلطة 22 عاما، والقذافى الذى بقى فى السلطة 42 عاما، والرئيس اليمنى على عبد الله صالح الذى استمر فى السلطة 34 عاما، وبشار الأسد يحكم منذ 19 عاما ويخطط للبقاء الأبدى فى السلطة، وكذلك بقى الرئيس السودانى السابق عمر البشير 30 عاما فى السلطة والرئيس الجزائرى بوتفليقة 20 عاما.
أى أن تجربة الحكم الطويل مثلت عاملا مشتركا فى تجارب الانتفاضات العربية باستثناء العراق ولبنان اللذين تحكمهما منظومة طائفية تسمح بالتغيير الشكلى بين الأشخاص ولكنه تغيير وفق الحدود المرسومة لكل حزب/ طائفة.
الحكم الطويل عامل فى فهم أسباب الانتفاضات العربية ويبقى هناك حديث آخر عن عوامل أخرى.
نقلا عن المصرى اليوم