حمدي رزق
فى تاريخ 30 أكتوبر 1995، زار الشيخ الشعراوى إذ فجأة قبر عبدالناصر، وقرأ الفاتحة على روحه ترحماً على ذكراه، وقال فى الضريح: «قررت بعد كلمة عابرة قلتها فى حقه أزور ضريحه، يجب على الإنسان ألا يسىء الظن بفعل أحد وأن يترك سرائر الناس لله وحده».
هذا طريق إمام الدعاة، خطه حياً، ما بال سدنة الضريح، الحط على «أسما شريف منير» جاوز المدى، زمان كان الغلط فى الإمام البخارى من الكبائر، الآن الغلط فى الشيخ الشعراوى من الكبائر، الشعراوى فى قبره بات مقدسًا، معصومًا من جرح الحديث، ومعلوم جرح الحديث النبوى الشريف علم ينتفع به.
البعد عما أتاه الإمام فى حياته بعد مماته غنيمة، كما ينصحون، الصمت الرهيب الذى لف رؤوس الكتاب والمفكرين إلا قليلا من المقدرين جد مريب، الصمت على الإرهاب الفكرى الذى مورس على فتاة صغيرة غردت تغريدة، يورثنا ضعفًا على ضعف، ووهنًا على وهن، تفريطًا فى الحق فى التفكير، فى حق جرح الحديث، والقاعدة الراسخة: «كل يُؤخذ من كلامه ويُرد» إلا صاحب هذا القبر (صلى الله عليه وسلم).
تراجع عجيب أمام تمدد رهيب يلجمنا الصمت، ويرهبنا بالمقدس، الذى هو ليس بمقدس، ولا معصوم، ولم يدع فى حياته العصمة، ويقينى لو كان الإمام بيننا حيًا، لمسح على رأس «أسما» وحاورها فى الأمر، وبيّن لها مقصده الذى ربما غمّ عليها.
يا ويل مصر، ورثة فكره، المتقوتين على حواراته، لا يبدون سماحة ولا يتسامحون، بل يرهبون من يعمل فكره فيما أتاه الإمام، باعتباره لا ينطق عن الهوى، وهو من وصف تفسيره للقرآن الكريم بالخواطر، وفيض الخاطر ليس آيات بينات منزلات، بل رأى يجوز عليه الجرح، والقاعدة المنسوبة للإمام مالك «كل يُؤخذ من كلامه ويُرد».
فرسان المعبد نفروا لحماية الحياض، وفرسان الحريات صمتوا تمامًا إلا من رحم، ولاذوا بقعور بيوتهم، ولم يثبتوا شجاعة أمام هجمة مرتدة، وكأن «أسما» ساحرة شريرة يحرقونها أمام المحتشدين ترهيبًا، ويل للمفكرين من صمت يوم الترهيب، استتابة «أسما» جرت وقائعها فضائيًا، حتى لا يكررها أحدهم، أو يتجاوز المقام دون وضوء.
تقترب تحترق، تجاوز المقام تحاكم، تغلط فى صاحب الضريح تصلب على الحوائط الفيسبوكية، تعلق من رقبتك قضائيا وبرلمانيا، أخشى أن يصدر تشريع يجرم الاقتراب من الحياض، ويحظر المساس، ويقرر الترضى على الإمام، خلاصته لا تقربوا حياض الشعراوى المقدسة إلا محتشمين، ولا تنطقوا اسمه إلا مشفوعًا بالترضى، رضى الله عنه، فيرضى عنكم سدنة الضريح.
لا أزعم شجاعة، ولكنى أخشى على رقبتى من حبل مشنقة يلامس الرؤوس. الشيخ الشعراوى بشر، يخطئ ويصيب، ويعتذر من عبد الناصر فى قبره، ولكنهم يرهبون باسمه، ويعاقبون باسمه، ويتقربون باسمه، فإذا ما انحرف أو انجرف القلم أو سال اللفظ دون احتراس من بين الشفاة، ذكر اسم الإمام ولم يترض، حق عليه العذاب.
نقلا عن المصرى اليوم