محمد طه
فنانة شابة طلبت على صفحتها ترشيح أحد أو بعض الشيوخ لتتابعه، وكانت شايفة ان الشيخ الشعراوى (فى رأيها) متطرف..بعدها بدقائق السوشيال ميديا انفجرت بالسباب والشتم والإهانة والطعن فى أخلاق وشرف ودين البنت وأهلها.. وبعدها بساعات الموضوع وصل للجرايد والقنوات التليفزيونية وبعض نواب مجلس الشعب..
**********************
كبرت واتربيت على خواطر الشيخ الشعراوى فى تفسير القرآن الكريم. كان عالماً جليلاً مجتهداً له فتوحات ربانية فى العلم والدين.. وفى قلوب الناس.. اللى كانوا بيلتفوا حول التليفزيون بعد صلاة الجمعة لمتابعته، ولا أنسي شعورى دائماً بعد كل حلقة من حلقاته (بانشراح القلب).. ولا أنسي كلمة أحد جيرانى المسيحيين عنه: أنا باحب اسمع الراجل ده..
السؤال بقى.. لو الشيخ الشعراوى عليه رحمة الله سمع إن فيه حد بينتقده أو حتى بيتطاول عليه.. كان هايعمل إيه؟ هل كان هايقول: مين ده؟ لازم اللى ينتقدنى يكون على قدر علمى؟ أنا فوق النقد؟ واللا كان هايضرب مثال رائع وواضح فى التسامح والتفاهم وحسن الخلق؟
هل كان فضيلته هايفترض ان فيه حملة ممنهجة ضده؟ هل كان هايسب ويشتم ويهين؟ هل كان هايعاير الناس بشغلهم أو لبسهم أو طريقة حياتهم؟
بلاش الشيخ الشعراوى.. سيدنا محمد نفسه عليه الصلاة والسلام.. عمل إيه لما واحد أعرابى تطاول عليه وشده من بردته وكلمه بإساءة أدب؟
عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه قَالَ: "كُنْتُ أَمْشِي مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآله وسَلَّمَ، وَعَلَيْهِ بُرْدٌ نَجْرَانِيٌّ غَلِيظُ الحَاشِيَةِ، فَأَدْرَكَهُ أَعْرَابِيٌّ فَجَبَذَهُ بِرِدَائِهِ جَبْذَةً شَدِيدَةً، حَتَّى نَظَرْتُ إِلَى صَفْحَةِ عَاتِقِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ قَدْ أَثَّرَتْ بِهَا حَاشِيَةُ البُرْدِ مِنْ شِدَّةِ جَبْذَتِهِ، ثُمَّ قَالَ: يَا مُحَمَّدُ، مُرْ لِي مِنْ مَالِ اللهِ الَّذِي عِنْدَكَ. فَالْتَفَتَ إِلَيْهِ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ ضَحِكَ، ثُمَّ أَمَرَ لَهُ بِعَطَاءٍ" متفق عليه.
هو الرسول صلى الله عليه وسلم عمل كده ليه؟ مش علشان يعلمنا؟ مش علشان نقتدى بيه ونحذو حذوه رغم انه كان يقدر يعمل غير كده؟ مش علشان يدينا مثال حى ل(انك لعلى خلق عظيم) اللى المفروض نتمثل بيه فيها؟
بلاش كده.. هو مش ربنا قال: "ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة"؟ هى فين الحكمة والموعظة الحسنة فى الهجوم الشديد والسب واللعن والطعن فى الشرف والأخلاق والدين؟ دى يرضى ربنا؟ ده يرضى رسول الرحمة للعالمين؟ ده يرضى الشيخ الشعراوى نفسه؟
لا طبعاً.. بس فى الحقيقة ده بيرضى حاجة تانية خالص.. اسمها Idealized self image.. الصورة المقدسة للنفس.. وخلينى أشرحهها ببساطة..
*********************
أنا اتكلمت قبل كده عن ال idealization أو تقديس الأشخاص.. واللى هو أصلاً احتياج انسانى طبيعى عند الأطفال فى الشهور والسنين الأولى من عمرهم بهدف انهم يشعروا بالأمان والحماية من أهلهم.. لكنه ماينفعش يستمر بصورته الطفولية المبالغ فيها لما نكبر.. وإلا هايتحول لهوس مريض خارج أى منطق أو سياق..
السؤال الأعمق بقى.. هو احنا لما نكون كبار كده وعاقلين بسم الله ماشاء الله.. نقدس حد ونخرجه بره حدود وقدرات البشر ليه؟ نعمل من بنى آدم زينا نصف إله ونعبده (رغم ان هو شخصيا مش هايوافق على ده) ليه؟ نضخم ونفخم حد (وهو أصلا فى منتهى التواضع) ونقلل من شأن الآخرين أمامه ليه؟
أقولك ليه.. واللى هى حاجة غريبة جداً.. اتعملها مدرسة لوحدها فى علم النفس.. اسمها Self Psychology.
احنا فى الحقيقة بنقدس نفسنا.. وبنعبد نفسنا.. وبننفخ ونضخم نفسنا.. يعنى قصاد كل حد انت بتقدسه، انت بتقدس جزء من نفسك.. الجزء منك اللى لا يقبل النقد أو المراجعة.. الحتة اللى جواك اللى عاوزة تحس انها فوق مستوى البشر..
قصاد كل حد بتضخمه وتفخمه (رغم تواضعه هو نفسه)، انت بتغذى فيك هذا الجزء المحب للضخم والتفخيم..
قصاد كل حد انت بتعمل منه نصف إله.. انت بتداعب نصف الإله الخاص بك.. داخلك..
أى حد بيقدس حد بجنون وهوس.. هو فى الحقيقة مش شايفه أصلاً.. هو شايف فيه حتة منه.. حتة نفسها الناس تقدسها.. وتفخمها.. وتعبدها..
مش ناسى كلمة أستاذى د. رفعت فى أحد المرات: احنا جوه كل واحد مننا فرعون صغير مستنى الفرصة علشان يطلع.. وجهاد النفس الحقيقي هو التحكم فيه..
تقديس البشر.. يؤدى إلى ذبح من يختلف..
تأليه الناس.. ينتهى حتماً بسلخ من يخرج عن النص..
تصنيم حد.. يعنى بالضرورة رغبتك فى تصنيم نفسك..
احنا كده مش هانعرف نكلم بعض..
محدش سأل نفسه: هو لو الشيخ عايش كان هايعمل إيه؟
قليل من الحكمة..
بعض الموعظة الحسنة..
جزء من الخلق العظيم..
يرحمكم الله..
نقلا عن الفيسبوك