أمينة خيري
آفة حارتنا الهبد والرزع والتطرف والتشدد. نموت فى الهبد، ونعشق الرزع. أما التطرف والتشدد فباتا سمة من سماتنا. ويخطئ من يعتقد أن التطرف فى الدين فقط، وأن التشدد فى المعتقد وحده، بل هما لصيقان بكل كبيرة وصغيرة فى حياتنا.
حياتنا التى مرت بكم من التقلبات خلال الأعوام الثمانية الماضية تعادل ما مررنا به من أعاصير وزعابيب على مدى قرون تستحق من مفكرينا وراسمى سياساتنا وقفة عميقة وسريعة.
المجتمع الذى كان حتى على سبعة عقود مضت قبلة لجنسيات وثقافات وأديان وأيديولوجيات لا حصر لها، يعيش جميعها دون احتكاكات، تحول اليوم إلى مجتمع لا يقبل إلا صورته التى يراها فى المرآة. هى وحدها المقاييس المسموح بها، وكل ما دونها إما نقتله أو نفرمه أو نتنمر به أو نلصق به تهمة بشعة أو نكفره أو نبذل كل ما أوتينا من بأس لنجعله يشعر أننا أصحاب العضلات الأقوى.
مجتمعنا ذو العضلات المنفوخة على 28 صيفاً و30 شتاء ينفجر ويفرقع حين يغادر حدود البلاد. إذا سافر شرقًا يتحول إلى قط أليف يلتزم بما يلتزمون به من أجل لقمة العيش ورغد الحلم وهناء المستقبل، وإن ارتحل غربًا ذاب عشقًا فى المجتمع الذى يقف على طرف نقيض من مجتمعنا، حيث أقصى درجات الحرية الشخصية مع أعلى مراحل تطبيق القانون.
القانون الشعبى فى مصر مازال بعد ثمانى سنوات من الثورات والفورات والفوضى والحراك يرفض أن ينظر فى المرآة، لماذا؟ لأنه لو أمعن النظر فلن يجد نفسه فقط، سيجد إسلاميين وإسلاميين كده وكده وعلمانيين وليبراليين واشتراكيين وشيوعيين وناصريين ومتدينين ومتدينين نصف نصف ورافضين للدين من بابه وعشاقًا للراحل الشيخ الشعراوى معتبرين ما قدمه من تفسير «بخارى» جديدًا وأكثر ورافضين لما قدمه معتبرين المنتج نفسه دليل إدانة على ما وصلت إليه مصر من تطرف وتشدد وانغلاق ورفض الآخر وتحقير المرأة.
القانون الشعبى الذى ينط فى وجوهنا مثل عفريت العلبة كلما ثار جدار أو حصل حدث أو وقع حادث يخبرنا بكل وضوح أننا بتنا نكره الاختلاف ونحتقر التنوع ويتملكنا الرعب كلما رأينا بأعيننا أمارات التحول وأن قطاعًا منا يسير بكل ثقة نحو التعدد وقبول الاختلاف بل وتبجيله واحترامه.
نعم! أغلبنا يرتعب من فكرة الاختلاف. لماذا؟ لأنه لا يثق فيما لديه من معرفة. ولأنه حين يتعرض لمعرفة تختلف عن تلك التى تم تلقينه إياها بالملعقة فى البيت وبالنص فى المدرسة وبحديث أحادى لا مجال للاختلاف أو الخلاف فيه فى الخطاب السياسى على مدى عقود يشعر بدوار وعدم اتزان. وحين يقوده حظه العثر إلى نقاش نقدى لا مجال للضرب أو الاقتتال فيه، يفاجأ أنه لا يمتلك أدوات هذا النوع، فيزداد خوفه ويبالغ فى رد فعله ما يعكس ضعفاً شديداً ورعباً عميقاً.
نقلا عن المصرى اليوم