بقلم: ماهر ميشيل
في تدريب "الجودة الشاملة " قص علينا أحد المحاضرين تجربته الشخصية في عمله كرئيس قسم شئون الطلبة في إحدى جامعاتنا المصرية، وقال أنه وضع أمامه هدف وهو: أن يختزل الوقت والإجراءات التي تسير فيها عملية استخراج "كارنية الطالب" من ثلاثة أيام إلى ساعة واحده ولكي يفعل ذلك اختصر كثيرًا من التوقيعات والإجراءات التي كانت تجرى في السابق لتصل لتوقيعين فقط على الاستمارة وبالطبع عانىَ كثيرًا مع إدارة الجامعة حتى يصل لهذه النتيجة، ثم قام بتدريب فريق الموظفين لمدة شهر على استخدام الحاسب الآلي (الموظفين المعتادين على السجلات والأوراق ولا يعرفون كيف يستخدمون الحاسب الآلي) دربهم من مرحلة الصفر إلى الوصول بهم لمرحلة استخراج "كارنيه الطالب" في وقت لا يتعدى الساعة!! إنه الأستاذ دكتور طارق وهدان.
ويحكي لنا شخص كوري عن كوريا من مائة عام فقط، أنهم كانوا يبصقون في الشوارع ويلقون بالقمامة بها، ويصل الأمر لحد التبرز بالشوارع، ولكن في خلال مائة عام تغيرت كوريا لتصل نسبة الأمية بها إلى 2 % وتصبح من أكثر الدول تقدمًا في العالم.
المفتاح هو كلمة "التغيير" فالتغيير هو عدم الرضا عن وضع معين، والثورة عليه وأخذ خطوات لمقاومة هذا الوضع ثم يأتي التغيير. والتغيير ممكن أن يتم بسرعة السلحفاء، كمان يحدث في بلادنا النامية، ومن الممكن أن يحدث بسرعة الصاروخ مثل الدول المتقدمة، ولكنه أمر لابد منه وسيحدث سواء أردنا أم لمن نرد لكن...
لماذا التغيير؟؟
1- طبيعية الحياة:
الذي لا يتغير هو الشيء الميت، والذي لا يملك الحياة ولا التفاعل بالآخرين حتى المادة تتغير لأنها تتفاعل بعوامل الطبيعة وتؤثر وتتأثر بها، فالحياة الراكدة تشبه الموت، فطبيعة الحياة هي التغيير، تغيير الفكر، تغيير الشكل، تغيير الأساليب، تغيير الأشخاص، تغيير الأماكن. الحياة ليست ساكنة لكنها متحركة.
2- التغيير لمواكبة العصر:
عصرنا يتغير بسرعة الصاروخ، فبيمنا نحن نقاوم أمية القراءة والكتابة، تظهر تعريفات أخرى للأمية وهي أمية التكنولوجيا، فكل من لا يجيد التعامل مع الحاسب الآلي ولا يعرف لغة العصر هذا هو الأمي فهل ستتحول سحلفائنا في يوم ما إلى حتى قطار ثم طائرة ثم صاروخ؟! أرجو ذلك بل وأنتظره.
3 – التغيير لكسر الروتين:
الروتين في حياتنا وفي حكومتنا من أكبر معوقات التغيير والتقدم، فمتى سنتقدم في كل أجهزتنا الحكومية كما فعل الدكتور وهدان في قسم شئون الطلبة وقاوم وكسر روتين عاشت عليه الجامعات لمدة سنوات؟؟
يحكي لي صديق إنه سنويًا يجدد إجازته بدون مرتب، وفي كل سنه لابد وأن يأخذ ثلاثة أيام إجازة من عمله الحالي ليقوم بإجراءات الإجازة السنوية، فهي عبارة عن ملف به عشرة مستندات وكل مستندات به العديد من التوقيعات وإجمالي التوقيعات والموافقات يتعدى الأربعين توقيعًا!! لماذا كل هذا الروتين وإهدار الوقت والجهد؟؟
*مستويات التغيير
التغيير الفردي:
على المستوى الفردي يحتاج كل منّا للتطوير، للتدريب ، للتعليم، لتنمية قدراته، لصقل مواهبه، فقد تحتاج لدورات للحاسب الآلي لتمحو أميتك فيه، وتتواكب مع لغة العصر وقد تحتاج لدورات لغات، أو موسيقى، أو رسم، أو تعليم أمر جديد كالجودة الشاملة، هناك مقولة في الجيش تقول: "العرق في التدريب يوفر الدم في المعركة".
2 – التغيير الجماعي:
كل منّا يعيش في جماعات مثل النقابات، الأحزاب، الأسرة، الأصدقاء، جماعة العمل، الجيران، والكل يسلك سلوكيات قد تحتاج لتغييرات، فإذا ألقى ابنك مثلاً بعدما شرب "الكانز" بالعبوة الفارغة في الشارع لابد أن توجهه أن هذا السلوك سلوك غير حضاري ولابد من وضع القمامة في أماكنها المخصصة لها.
وبعض الجيران –أرجو أن لا تكون أحدًا منهم– يتركون أكياس القمامة بجوار باب العمارة تعبث بها الكلاب الضالة والقطط مما يجعلها تتناثر في كل مكان، وبالتالي تزيد من قذارة الشارع وتزيد انتشار الأوبئة، ورغم تحذيرات وزارة الصحة واهتمامها بالتوعية وأنفلونزا الطيور والخنازير إلا أننا مصممون أن نتخلص من قمامتنا خارج الشقة فقط، ولا نهتم بنظافة الشارع ولا نهتم بالصحة العامة، فهذا الشارع ملك للحكومة وعلى الحكومة أن تقوم هي بتنظيفه!!
متى سيصير هذا الشارع شارعنا؟ظ وعلينا نحن أن نهتم ليس فقط بنظافته بل بتجميله وزراعته وإظهاره بأحسن مظهر لكي نعيش في بيئة صحية ومريحة نفسيًا؟؟
3- التغيير المجتمعي:
التغييرات على مستوى المجتمع هي تغييرات كبيرة وبالتالي تكون بطيئة إلى حد كبير بالمقارنة بمستوى الأفراد والجماعات، فالتغيير الاقتصادي مثلا ليس بالأمر السهل، وكذلك السياسي فالأمر يحتاج المشاركة الإيجابية من الأفراد ثم الجماعات لتتغير المجتمعات. فإذا لم نـُغير أنفسنا لن يتغير مجتمعنا ولو بعد مئات السنين.
طرق التغيير
1 – الثورة:
والثورة هنا ليس بمفهومها السياسي، أن نتظاهر ونطالب بتغيير وضع أو نظام معين –مع أن ذلك كثيرًا ما يكون مطلوب ويغير دولاً– إلا أني أقصد بالثورة هنا بالدافع الحماسي الذي يجعلك لا ترضى بوضعك الحالي وتستنفره جدًا وتصل إلى قرار حقيقي بأنه لابد وحتمًا ولابد من "التغيير" هذه هي الثورة، الثورة على الأوضاع، على الروتين، على النظم القديمة، على السلوكيات الغير لائقة بمجتمع متحضر في القرن الحادي والعشرين.
2- التخطيط:
قال أحدهم: الفشل في التخطيط هو تخطيط للفشل، كل أمر تريد أن ينجح لابد له من أن تخطط له مهما كان فكما قال سليمان الحكيم: "بالتدابير اعمل حربًا" أي بالتخطيط تستطيع أن تحارب عدوك، ولو أمر صغير أيضًا يحتاج إلى تخطيط فمثلاً: أريد إنقاص وزني 5 كيلو، هذا هدف يحتاج لتخطيط لكي ينجز لابد أن أحدد مدة زمنية لهذا الهدف وطرق لتحقيق هذا الهدف، فأقول: سأقوم بعمل تمارين رياضية ونظام غذائي معين لأصل في خلال مثلا خمسة شهور إلى إنقاص هذه الخمسة كيلو.
3- البداية:
"البداية نصف العمل" كما أشرنا في مقالة سابقة، "فالرجاء المماطل يمرض القلب أما الشهوة المتممة فهي شجرة حياة" كما قال سليمان الحكيم.
التغيير قادم قادم، سواء أردنا أم لم نرد، لكن هل سنتغير بسرعة السلحفاء أم بسرعة الصاروخ؟؟