مراد وهبة
السلفية من السلف وهو ما مضى وانقضى، ويقال السلف الصالح ويقصد به في الإسلام المسلمون الأُول من الصحابة والتابعين الذين عاشوا في القرون الثلاثة الأولى من ظهور الإسلام من أبوبكر وعمر بن الخطاب وعثمان بن عفان وعلى بن أبى طالب. وفى عام 661 تأسست الدولة الأموية برئاسة معاوية بن أبى سفيان، وقد قيل عنه إنه لم يكن يقيم العدل لأنه كان يؤثر المصلحة الخاصة على المنظور الدينى. وبعد ذلك ضعف الإيمان وانقسم المسلمون فسقطت الدولة الأموية في عام 750، وهو العام نفسه الذي نشأت فيه الدولة العباسية ومعها نشأت المذاهب الفقهية الأربعة: الحنفية نسبة إلى أبى حنيفة النعمان المتوفى عام 767، والشافعية نسبة إلى محمد بن ادريس الشافعى والحنبلية نسبة إلى أحمد بن حنبل والمالكية نسبة إلى مالك بن أنس.
اهتم أبوحنيفة بكل نص إيجابى في القرآن يمكن أن ينطبق على القانون المدنى، ولم يستشهد بالحديث إلا في أضيق الحدود، أما القياس فقد استعان به إلى حد بعيد، ومعناه عنده أن تقاس الظروف الجديدة على سوابقها التي انطبق عليها القرآن. وكذلك استعان بالاستحسان كأن يقال هذا (رأى) إلا أن هذا المستحسن تحجر مع الزمن وقيل عنه (الأصول) أو إنه التراث.
أما الشافعى فقد اهتم بمسألة الإجماع. والإجماع، في رأيه، هو الاستعمال العام في الإسلام لا في المدينة وحدها، وقد اعتبره مصدراً ثالثاً من مصادر الشريعة. أما المصدران الأول والثانى فهما القرآن والسنة. وقد رفع الشافعى أحكام السنة إلى مصادر الأحكام القرآنية لأنه ذهب إلى أن للسنة- شأن القرآن- مصدراً إلهياً.
وكتاب «الرسالة» للشافعى هو أول كتاب في أصول الفقه، ولهذا يقال إن الشافعى هو واضع هذا العلم، علم الأصول، وقال عنه الفخر الرازى «إنه استنبط علم أصول الفقه ووضع للخلق قانوناً كلياً يرجع إليه في معرفة مراتب أدلة الشرع فثبت أن نسبة الشافعى إلى علم الشرع كنسبة أرسطو إلى علم العقل»، ذلك أن العلماء قبله كانوا يتكلمون في المسائل الأصولية حسبما اتفق، ولم يكن لهم نظام جامع ولا قواعد كلية فوضع القواعد الكلية والقانون الجامع في أصول الفقه.
ويأتى ابن حنبل بعد الشافعى الذي التزم القرآن والسُنة.
يبقى بعد ذلك مالك بن أنس، وقد اشتهر بأنه يكره مفهوم الاستحسان الذي دعا إليه أبوحنيفة، وبالتالى فإنه يكره الأخذ بالرأى، ومن هنا اهتم مالك بالحديث، وأضاف إليه الإجماع، ومن ثم أصبح السؤال عن الإيمان بدعة.
وتأسيسًا على ذلك كله يمكن القول إن الفقهاء الأربعة هم حراس التراث، ولهذا فإن وظيفتهم تنحصر في الفتوى، والفتوى هي بيان وجه الحق في المسائل التي تعرض عليهم طبقاً للأصول الأربعة وهى القرآن والسُنة والإجماع والقياس. ومن هنا أصبح الفقهاء الأربعة هم القوة الثانية بعد الأمير أو السلطان. ومن أجل تدعيم قوتهم تصوروا أن على المسلمين الإيمان بما جاء في القرآن والسُنة دون تأويله. وإذا كان التأويل يعنى إعمال العقل في النص الدينى من أجل الكشف عن المعنى الباطن، فمعنى ذلك أن التأويل اجتهاد من عقل الإنسان الذي هو عقل نسبى، ومن ثم فهو عقل علمانى مناقض للسلفية.
نقلا عن المصرى اليوم