• الجنيه المصري وغرفة الإنعاش
فاروق عطية
• في مقال سابق بعنوان: في ذكرى الجنيه الذي حانت منيته، تحدثت عن الزمن الجميل وما كنا نعيش فيه من رخاء بفضل القيمة العظيمة للجنيه المصري وتفوقه بل وسيادته لأعتى عملات العالم المتحضر كالدولار الأمريكي والجنيه الإسارليني. ذكرت فيه أن الجنيه المصري كان يساوى مائة قرشا والقرش يساوى عشرة مليمات والمليم يساوى برونزتين، وكان الجنيه المصري عملة محترمة بل سيد العملات، تفوق سطوته عملات دول العالم الكبرى، فقد كان الجنيه الاسترلينى الذهب يساوى 97.5 قرشا والدولار الأمريكى يساوى 20 قرشا.
• علّق أحد القراء الأفاضل علي ذلك المقال بالأتي: جميل أن تذكرنا بالماضي الجميل وقيمة عملتنا الوطنية في ذلك الزمن، ولكن الأجمل أن تحدثتا عن أسباب هذا التدني لعملتنا الوطني. لذلك أفردت هذا المقال لتدارك ما فاتني إيضاحه في المقال السابق حتي تكتمل الصورة.
• لانحدار العملة المصرية أسباب عديدة (ذكرت بعضها في المقال السابق) وأهمها:
• 1- تشدق عبد الناصر برفع أجور العمال فى كل عيد من أعياد الثورة دون دراسة أو إيجاد موارد للصرف على هذه الزيادات غير التضخم التمويلى بطبع المزيد من العملات بدون أن يقابلها أرصدة حقيقية. وللحقيقة فقد كانت الزيادة فى الأسعار غير كبيرة وغير متلاحقة بالصورة البشعة التى نراها هذه الأيام وذلك لأن الدولة كانت تدعم الأسعار بالاستدانة والقروض حتى لا يحس المواطنون بهذه الفروق.
• 2- دخول مصر حرب اليمن دون دراسة لعواقبها الوخيمة. هذه الحرب التي لم يكن لنا فيها ناقة ولا جمل غير فشخرة عبد الناصر بأنه حامي حمى الثورات ضد الإمبريالية وتأييده لأي ثورة في أي بقعة من العالم حتي لو لم تكن ثورة شعبية حقيقية. في هذه الحرب كانت تُلقي ملايين العملات الذهبية علي معارضي الثورة بالطائرات لاستمالتهم، مما أضاع الغطاء الحقيقي للعملة المصرية حتى أصبحت بدون غطاء فعلي، مما جعلها معرضة للأمراض القاتلة التي أدت لموتها أكلينكيا.
3- حرب او عدوان اسرائيل في 6 يونيو 1967م علي مصر الذي نتج عنه انهيار اقتصادي بعدها بدأت العمالة المصرية فى السفر حيث يوجد الرزق فى دويلات البترودولار(الخليج العربي والعراق) ويعودون بوفرة المال التى تمكنهم من القدرة الشرائية حتى قيل إنهم السبب في غلاء المش علي الطبقات الفقيرة.
4- بعد انتهاء الحقبة الناصرية بحلوها ومرها ورث السادات إرثا مثقلا بالديون، وبعد حرب السادس من أكتوبر 1973م وتكلفتها المالية الباهظة، جاءت معاهدة الصلح مع اسرائيل (كامب ديفيد)، كنا نتوقع أن ينتهج السادات بعدها خطا اقتصاديا حكيما يعيد لمصر اتزانها وعافية اقتصادها، لكنه اختار بتهور الانفتاح الاقتصادي الغير مخطط الذي استفادت منه مافيا التوكيلات وسماسرة التجارة وحيتان توظيف الأموال، مما أدي لزيادة الأسعار جنونا وتوحشا.
5- وزاد غول الغلاء توحشا فى عصر بسلامته (المخلوع) وسيطرة الحزن الوطني على مقدرات شعب أعزل مهيض الجناح تطحنه الأمراض والجهل و تمسك بتلابيبه عوامل الفقر وكثرة العيال وقلة الحيلة والبركة فى مجلس سيد قراره المليئ بنواب القروض ونواب المخدرات والقمار والتهريب وماصى دماء الشعب من نمور وحيتان وصقور وغيلان. وفي عهده الزاهر بدأ التخلّي عن القطاع العام وخصخصته لصالح مافيا اللصوص والأفاقين وإبني الزعيم.
6- اندلاع الثورة الشعبية في 25 يناير 2011م التي كنا نأمل أن تكون كثورة 1919م تأتي أكلها سياسيا واقتصاديا وتعيد للشعب سلطته التي سرقت منه في غفلة من الزمن بهوجة 23 يونيو 1952م وتحالفها مع الفاشية الدينية المتخلفة، لكن للأسف اكتشفنا بعد فوات الأوان أنها كانت كبوة وليست ثورة، خريفا وليست ربيعا عربيا مخططا من الامبريالية الأمريكية والغربية لإعادة تخطيط خريطة الشرق الأوسط من جديد. لعلنا نتذكر ما حدث بعد الحرب العالمية الأولى وسقوط الخلافة العثمانية وتقسيم إرث الخلافة إلى دول بمقتضى ما أطلق عليه خِطة سايكس بيكو التي بمقتضاها تبلورت دول عربية تحت حكم استعماري لم يراعي فيه الاختلافات الدينية والعرقية. وبعد تحرر الدول من ربقة الاستعمار شعر الغرب أنه خسر مواقعه وخسر إرث الخلافة العثمانية، واليوم يسعى لإرث جديد يتيح له عودة التحكم والسيطرة على ثروات هذه البلاد الكامنة وخاصة البترول، ومهندس هذه الخطة هو بيرنارد لويس الصهيوني الذى كان مستشارا للرئيسين بوش (الأب الابن)، الذى دَعي إلى تفكيك الدول العربية إلى كانتونات طائفية وعشائرية ورسم لها الخرائط ووافق الكونجرس على خطته عام 1983م، وتتبلور فكرته فى إغراق البلدان الناطقة بالعربية في صراعات دينية وعرقية تشغلهم وتفتت دولهم من الداخل دون عناء يذكر والغرب ينتظر الحصاد دون أن يبذل جهدا في الزراعة.
7- وما زاد الطين بلة ركوب الإخوان الخونة هذه الفورة بتأييد من الأمريكان ومؤاذرة تنظيم الإخوان الدولي وعلي رأسه تركيا وقطر والتهديد بحرق البلاد إذا لم يعلن المجلس العسكري الذي تولي الحكم بعد تنازل المخلوع، نجاح مرسي في الانتخابات الرياسية رغم نجاح اللواء أحمد شفيق الساحق.
8- بعد استيلاء الإخوان على الحكم وللأسف انساقت الجماعة ومن والاهم من سلفيين وجهاديين وهم مقفلي العيون نحو الهدف المرسوم لهم وهم سكرى بنشوة الحكم. بعدها حنثوا بالقسم واستهانوا بالدستور وتحدوا القضاء وكانوا منذ البداية قد أجهزوا على الشرطة وحاولوا باستماته القضاء على الجيش درع الأمة. حاولوا بكل قوة أخونة كل مرافق الدولة آملين أن تدوم سيطرتهم على الحُكم لمئات من السنين، لكنهم فشلوا في إدارة البلاد وزادت معاناة الناس من الغلاء وندرة وسائل المعيشة حتى ضجوا وأصابهم الإحباط التام.
9- حين طلب الفريق أول عبد الفتاح السيسي الشعب بالخروج أسرع الشعب بتلبية النداء في 30 يونيو 2013م بالملايين تطالب بالتغيير والخلاص من تجار الدين وزوال دولة المؤشد الفاشية. بعدها اكتشفنا أن ما حدث في 30 يونيو لم يكن ثورة شعبيه، بل كان مخططا بتدبير الدولة العميقة من شرطة ومباحث أمن الدولة التي اعتُدى عليها بعنف وسفالة، وقضاء حاولوا أذلاله وتحقيره وأخونة أعضائه، ومؤسسة عسكرية ومخابرات حاولوا القضاء على هيبتها، ووسائل الميديا المصرية التي حاول الإخوان الخلاص منها، وأنصار الحزب الوطني وأيتام المخلوع الذين تم إقصائهم من الحياة السياسية، ردا على فورة 25 يناير التي أطاعت بهم واعتلاها شرذمة الإخوان المسممين. كنا بعدها نحلم بدولة مدنية علمانية تؤمن بالمواطنة الحقيقية ولا بأس من حماية الجيش لمكتسبات الثورة، خاصة وأن الشعب قد تم التلاعب به مرتين في ثورتين مصطنعتين. وخلال هاتين الثورتين وما بينهما (فترة حكم المجلس العسكري) تكاسلت عجلة الاقتصاد حتي التوقف مما زاد من المعاناة وانهيار قيمة العملة.
10- بعد تولي السيسي سدة الرياسة، توالت علي مصر النكبات من تفجيرات الإخوان في سيناء والوادي وتوحش السلفيين وتسببهم في الكثير من المشكلات التي تمزق الوحدة الوطنية في صعيد مصر خاصة في محافظني المنيا وبني سويف، وتواطؤ الأمن أو نكاسله في وقفها. كما كانت للرئيس رؤيا اقتصادية خاصة يري الكثيرون عدم صوابها، مثل بعثرة الأموال وجلها مقترض في انشاء تفريعة قناة السويس في وقت تواكب مع كساد عالمي للتجارة الدولية وانخفاض شديد في دخل القناة، وانشاء عاصمة إدارية تكلفت البلايين والتعليم والصحة وتدني الدخول في حاجة ماسة للإصلاح، كما ترك الحبل علي الغارب للإخوان المستغلين للعبث بالاقتصاد الوطني خاصة تجارة العملة واحتكار تجارة السلع الضرورية، مما زاد من معاناة المواطنين والانهيار المستمر للعملة خصوصا بعد تعويم الجنيه المصري وتركه ليغرق تحت أمواج العابثين.