بقلم: يوسف سيدهم
قصة كنيسة مارجرجس للأقباط الكاثوليك بقرية حجازة قبلي- مركز قوص- محافظة قنا, قصة طويلة حزينة نشرت عنها وطني في عددها الماضي بعد تجدد الاعتداء عليها من المتشددين والمتطرفين في أحدث حلقات سلسلة الاعتداءات التي تعرضت لها… والقصة كئيبة مخزية لأنها ليست مقصورة علي حرمان أقباط تلك القرية من حقهم الدستوري والقانوني في الصلاة, إنما لأنها تنطوي علي خنوع وتقاعس كارثي للسلطة الإدارية والأمنية في المحافظة عن تنفيذ أحكام القانون في استكمال بناء الكنيسة منذ عام 1993 علاوة علي التخاذل في حماية أقباط القرية ضد ترويعهم وإرهابهم والاعتداء علي كنيستهم… والأمر الغريب المستعصي علي الإدراك أن الدولة المصرية وهي ترفع شعارات المواطنة والمساواة بين جميع مواطنيها وبينما هي تخوض أشرس المعارك لاستئصال الإرهاب فكرا وعملا لاتزال هناك إدارات تمثلها تتخاذل عن مواجهة التطرف والإرهاب بدعوي صون السلام المجتمعي فتترك للمتشددين الهروب بأفعالهم دون مساءلة وتمنحهم مكافأة الانصياع لتهديدهم وتطلب من الضحايا الأقباط الرضوخ والقبول بنقل كنيستهم التي يعود عمرها إلي ما قبل عام 1900 إلي موقع آخر… لماذا؟… لأن المتشددين يصرخون مش عايزين كنيسة في القرية!!!… وبعد ذلك نتساءل متعجبين: لماذا تقوي شوكة التطرف والتعصب؟.. ولماذا تبقي بيننا جيوب للإرهاب لم يتم القضاء عليها؟.. ولا ندرك أن الإجابة أمام أعيننا تصفعنا لأنها نتاج غفلتنا واستهتارنا بالدستور والقانون وعبثنا بهيبة الدولة!!
وأعود وأقول: قصة كنيسة حجازة ليست الوحيدة من نوعها, فهناك قصص مثلها في محافظات أخري, وسوف تستمر وتتكرر طالما تركت جحافل المتشددين والمتطرفين والإرهابيين الذين يعترضون عليها ويتعرضون لها تستقوي بعدم مواجهتهم وتقديمهم للعدالة.. ولن يشفع للتعتيم علي هذا الواقع المريض محاولات تحويل الأنظار عنه بالحديث عن قانون بناء وترميم الكنائس وتشريعات تقنين أوضاع الكنائس غير المرخصة… أو الحديث عن كاتدرائية ميلاد المسيح بالعاصمة الإدارية… أو الحديث عن العلاقة الحميمة التي تربط جميع رموز الدولة المصرية برئاسة الكنيسة القبطية الوطنية الحكيمة.. قلت مرارا إن السكوت علي واقع حفنة صغيرة من المواطنين المصريين في أية قرية مصرية تمنع من ممارسة حقها في الصلاة وتغلق كنيستها المرخصة بواسطة الأمن للدواعي الأمنية التي حقيقتها الانصياع للمتطرفين, لا ينفع الغلوشة عليه بالعبارات المزركشة ولا بالكلام المعسول.. كما قلت مرارا إنه إذا هان الأقباط في أي ناحية من نواحي مصر علي السلطة الإدارية والأمنية, كيف تهون هيبة الدولة المصرية التي تمثلها تلك السلطات وهي تتنازل عن كرامتها وتسلم صولجان قانونها وأحكام قضائها لمن يستخفون بها؟
من يقرأ تفاصيل التحقيق الذي نشرته وطني في عددها الماضي يشعر بالخزي من استمرار هذه الفضيحة ومقدار عجز السلطات عن مواجهتها حتي أنها لم تتردد في مفاوضة قيادات الكنيسة الكاثوليكية التابعة لهم كنيسة حجازة في نقل الكنيسة إلي موقع آخر يبعد عن القرية نحو ثلاثة كيلومترات, ومع يأس الأقباط من ذود الدولة عن حقوقهم المشروعة بعد مرور 26 عاما علي محاولاتهم تنفيذ القرارات الرسمية بإعادة بناء كنيستهم دون جدوي, لا يجدون أمامهم سوي الرضوخ وقبول إخراج كنيستهم إلي الموقع الجديد.. لكن هل هناك من يضمن عدم تكرار ما تعرضوا له في الموقع الجديد؟.. ألا يدرك أحد أن موقع الكنيسة سيتغير لكن العقول المريضة بالتعصب لم تجد من يردعها ولم تتغير؟.. ألا يدرك أحد أن الحل العبقري للسلطة الأمنية في قنا يرسل رسالة استقواء كارثية لسائر المتعصبين والمتطرفين في محافظات أخري ليحذو حذوا أقرانهم في قنا؟… وأخيرا: ألا تدرك السلطات أن تنازل كنيسة حجازة عن موقعها ليس إلا تجسيدا لتنازل الدولة ذاتها عن هيبتها؟!!