بقلم : د. مجدى شحاته
حياة الانسان على الارض ما هى الا فترة زمنية من الوقت .
 
فكل انسان يعيش على وجه الارض له نقطة بداية ونقطة نهاية .
 
بين تلك النقطتين تمر فترة زمنية ، هى عمر الانسان . من هذا المنطلق تأتى قيمة الوقت وأهميته حيث يمثل عمر الانسان مجرد فترة زمنية محددة . 
 
يقولون  " الوقت من ذهب " ، والحقيقة ان الوقت ربما يكون اغلى من الذهب ، فهو الحياة نفسها ، خاصة وان العالم يعيش فى زمن عرف بعصر السرعة !! . الوقت يمر سريعا أكثر مما نتصور .
 
وكثيرا ما نتساءل كيف مرت الايام والسنين بهذه السرعة ؟ وكلها من رصيد عمر الانسان ، الذى بدوره ينقضى شيئا
 
فشيئا .  من الجيد بل من الضرورى فهم وادراك القيمة االحقيقية للوقت ، الامر الذى يدفعنا لكى نسعى بكل الجهد والامانة ونجعل  حياتنا اكثر تنظيما ونفعا .  ان العمل على ترتيب اولوياتنا وتحديد اهدافنا ، وجدولة كافة الاعمال والانشطة اليومية للحصول على اعلى عائد روحى ومادى ونفسى واجتماعى ، هو
 
نوعا من انواع الفنون انه " فن ادارة الوقت " . من الغريب ان الانسان كثيرا ما يشكو من ضيق الوقت وقصره ، وان السنين والايام تمضى بسرعة . فى نفس الوقت كثيرا  ما يتصرف الفرد فى حياته كما لو ان حياته ستمتد بلا نهاية !! لذلك لابد من استثمار وقتنا واستغلال المهارات التى يمكن ان تغير نمط حياتنا فى اطار الوقت المتاح لنا .
 
من هذا المنطلق ، فان وقت الانسان الحكيم يحتاج الى حسن الادارة ودقة التنظيم .
 
فالوقت ماض بلا توقف ولا يمكن تبديله او استرجاعه ، سواء كنت متيقظا أو نائما ، صحيحا او مريضا . صغيرا او كبيرا ، فقيرا او غنيا ، فعقارب الساعة لن تتوقف والزمن يمضى رضينا او أبينا . لذا فان ادارة الوقت ، فن لابد من اتقانه فهو من الامور الهامة بل والخطيرة والحرجة .  بسبب قصر مدة حياتنا على الارض نسبيا قال داود النبى : "
 
عرفنى يارب نهايتى ومقدار ايامى كم هى ، فأعلم كيف انا زائل ، هوذا جعلت أيامى أشبارا وعمرى كلا شيئ قدامك . " ( مز 39: 4 ) . 
 
هناك أشخاص لا يكفيهم وقتهم لقضاء وانجاز العديد من مهام حياتهم ، يحرصون على كل دقيقة من وقتهم  لا تمضى دون استثمارها فى عمل مفيد ونافع له وللمجتمع والوطن .
 
هذا النوع من الناس وقتهم من ذهب ! .
 
كثيرا من نسمع مثل هؤلاء يقولون : " ليس لنا او عندنا وقت كاف !! " وعلى جانب آخر ، هناك من يبحث عن وسيلة أو طريقة لأضاعة الوقت ، بل ربما ينفقون أموالا كثيرة لأضاعة الوقت .
 
نعم ، ناس يبحثون عن وسيلة للتخلص من الوقت ويسعدون  اذا وجدوا طريقة  ( لقتل الوقت ) وفى حقيقة الامر ان موضوع  ( قتل الوقت ) ما هو الا جريمة قتل جزء من حياتهم مع سبق الاصرار والترصد !! هذا النوع من البشر كثيرا ما يضيعون وقت الآخرين فى مكالمات تليفونية تمتد ساعات ، او زيارات طويلة لا معنى لها او على مواقع التواصل الاجتماعى التى تستنفذ الوقت والعمر !!! فاذا كان الوقت يملكنا ، فنحن أيضا نملك حق ادارته وتنظيمه . والانسان الحكيم يستطيع أن يدير وينظم وقته بطريقة تعود عليه وعلى من حوله بالنفع والاستفادة .
 
أما الانسان الذى لا يعرف قيمة الوقت ، يفقد 
 
أغلى ما يملك .. يفقد حياته نفسها .
 
لذا من المهم والضرورى ان يقوم الفرد بعمل خطة عمل يومية ينظم خلالها كل أعماله والانشطة المختلفة ، حتى يشعر ان ساعات اليوم طويلة نسبيا وانه أستطاع ان يحقق وينجز العديد من الامور والاشياء المفيدة .
 
ومن الضرورى ان يشمل برنامجه اليومى  ، وقت محدد لحياته الروحية ، مع الوضع فى الاعتبار ، تخصيص الوقت الكافى للنوم والاسترخاء والراحة وممارسة الهوايات التى يحبها الفرد ووقت للزيارات ومقابلة الاقارب والاصدقاء  وغيرها من الانشطة الاجتماعية .    
 
من خصائص الوقت انه لا يعود ، فعقارب الساعة ماضية فى دورانها بلا توقف او هوادة .
 
ويخطئ من يعتقد ان الوقت يمر ببطئ ,.. وفى الحقيقة ان الوقت يمضى ويمر أكثر مما نتصور ، والحظة التى تمر لا يمكن استرجاعها ، فاذا تحدثنا عن زمن الطفولة او مرحلة الشباب ، فهى مجرد فترة زمنية باتت فى زمة التاريخ ولا رجعة لها . من هنا نرى مدى قيمة الوقت ، فهو لا يمكن تقديره بثمن ، فما الذى يمكننا ان ندفعه لكى نسترجع ولو لحظة واحدة من زمن مضى ؟؟ كنوز الدنيا كلها لا تكفى لاستعادة لحظة مضت من حياتك ... اليس كذلك ؟؟
على سبيل المثال ، " الانترنت " ذلك الاكتشاف المذهل الذى غير نمط حياة البشرتغيرا كاملا.
 
هذا الاعجاز العلمى فى عالم الاتصالات ، يلعب دورا مهما بل وخطيرا فى أوقات الناس . ممكن ان يكون هذا الدور دورا ايجابيا فى توفير الوقت بصورة كبيرة .
 
على سبيل المثال فى مجال الاتصالات يمكن تجميع كميات عظيمة من المعلومات  أوالبيانات اوالبحوث من كافة انحاء الارض ، وان ما كنا ننجزه فى شهور وربما سنوالت طويلة ، يمكن لنا ان نحققه فى دقائق قليلة وانت فى مكانك ! وعلى الجانب الاخر هناك الملايين من الناس يضيعون اوقاتهم بمعنى أصح يقصرون أعمارهم بقضاء ساعات وساعات من خلال صفحات التواصل الاجتماعى . ويتحول الانترنيت من وسيلة مذهلة لتوفير الوقت ، الى سلاح مدمر لقتل الوقت والعمر، فى تفاهات ومهاترات معثرة بل ومدمرة ! .
 
أعرف البعض ، يقضون ما يقرب من ستة ساعات كاملة امام شاشة الانترنيت ، وبحسبة بسيطة نجد ان هؤلاء يكونوا قد قضوا حوالى ثمانية عشر سنة من عمرهم امام الشاشة الصغيرة عند بلوغهم السبعين من العمر . نعم خسروا ربع عمرهم سجناء الانترنيت !! علاوة على متاعب النظر وآلام العمود الفقرى ومتاعب نفسية وعصبية مختلفة وفقا لتقارير الاطباء وعلماء النفس فى هذا المجال .
 
اذا كنا نتكلم عن الوقت وأهميته فى حياتنا العملية ، لابد لنا ان نتكلم عن الوقت الذى ينبغى لنا ان نكرسه او نخصصه الى الله الخالق سواء على المستوى الشخصى او الجماعى ، وان نضع فى الاعتبار ان نركز اهتمامنا على ما هو أبدى ، وليس مجرد المتع الوقتية فى هذا العالم الزائل المنقضى ، فاذا كانت حياتنا على الارض بمثابة موسم الزراعة ، فان موسم الحصاد سيكون فى الاخرة ، وان الوقت وزنة ثمينة غالية وهبها الله للانسان ، سيحاسب عليها كل انسان كيف استثمر هذه الوزنة الثمينة الغالية خلال فترة حياته على الارض .