بقلم: سمير مرقس |
لعبت الازمة الاقتصادية التي اطلت, أولا علي العالم, مطلع2008, واشتدت في سبتمبر من نفس السنة, دورا كبيرا في تحجيم الطموحات الأمريكية لممارسة دورها الامبراطوري كما كانت ترسمه مخططات المحافظين الجدد وحاولت ان تنفذه إدارة بوش الابن في أكثر من مكان وعبرت عنه وثائق الأمن القومي الأمريكي2002 و2006. فدور القوة العظمي الوحيدة وما يتعلق به من مسئوليات لم يعد بامكان الولايات المتحدة الأمريكية ان تلعبه وحدها, وتأكد هذا الأمر أكثر فأكثر, ذلك عندما خاضت روسيا حربا سريعة ضد جورجيا ولم تلتفت لأي تحذيرات امريكية ولم تستطع في نفس الوقت ان تقدم أمريكا اي عون لجورجيا كما كانت تأمل الأخيرة, وبات الاتحاد الأوروبي واقعا ملموسا بما عكسه من قدرة علي الدمج بالرغم من الاختلافات, كذلك الصعود الهندي والصيني, فضلا عن التمرد التاريخي لدول أمريكا اللاتينية علي التبعية للولايات المتحدة الأمريكية, كل هذا واكبه وصول قيادة شابة إلي حكم امريكا تنتمي لجيل الحركة المدنية في الستينيات الذي كان تمردها بالاساس علي قيم جيل الحرب العالمية الثانية, هذه الامور جميعا فتحت الباب لنقاشات متعددة حول الطبيعة المستقبلية للنظام الدولي ومن هم اقطابه بعد التراجع الأمريكي؟ وزاد من اهمية هذه النقاشات حول تراجع الدور الأمريكي ان فوكوياما صاحب مقولة نهاية التاريخ وانتصار الديمقراطية الليبرالية النهائي والتي اعلنها قبل20 سنة ـ في1989 ـ قد عاد ـ ويبدو وكأنه قد تخصص في الكتابة عن النهايات ـ ليقول بنهاية الريجانية أو النيوليبرالية راجع امريكان انترست عدد يناير2009. في هذا السياق, تعددت الرؤي والكتابات والتقارير المتنوعة من الأطراف المعنية أو القوي صاحبة المصلحة التي تعتقد باحقيتها في لعب دور في المسرح الدولي في إطار من الشراكة والندية مع الولايات المتحدة الأمريكية, فاذا كانت الساحة خلت لأمريكا لتكون حسب التعبير الفرنسي القوة الفائقة اي الكيان القادر علي نشر قوته العسكرية في اي مكان ولفترة زمنية ليست قصيرة, فان ذلك لم يضمن لأمريكا الهيمنة العالمية المطلقة, فما لبثت أوروبا والصين تحديدا في النجاح ان يكون لهما مكان في النظام العالمي إلي جوار أمريكا, فماذا يعني هذا؟ أولا: يعني وبحسب دراسة حديثة, هو ان القوة لم تعد محتكرة من قبل كيان واحد يمارس سلوكا امبراطوريا, بل باتت هذه القوة تتشارك فيها قوي ثلاث تستخدم قوتها العسكرية والاقتصادية والسياسية والثقافية, قوتها الصلبة والناعمة علي حد سواء لبناء مجالات من التأثير تلف اقطار العالم, وتتنافس فيما بينها للتوسط في الصراعات وصياغة المنظومة الدولية. لاشك ان فكرة كسر احتكار القوة وإعادة توزيعها لابد وان تسعدنا بيد ان درس التاريخ يقول إن التنافس بين القوي العظمي متي تعددت فان ذلك يعني تنافسا حول وضع المعايير التي تري كل قوة ـ علي حدة ـ انها صحيحة لصياغة النظام العالمي, وفي الاغلب يكون ذلك عبر الحرب, وهنا نشير لعدة دراسات تنذر بعودة التنافس بين القوة العظمي علي الجغرافيا السياسية. لفترة زمنية تم الترويج للعولمة بمستوياتها المتعددة باعتبارها نموذجا يقتدي به, ومن ثم فان العولمة تكون بهذا المعني منظومة للتشابك بين البشر علي اختلافهم كذلك توحيدهم بيد ان التنافس بين القوي العظمي سوف يوجد امام العالم نماذج عدة للتنافس من جهة, ومحاولة كل قوة ان تستأثر بمساحات تنتمي لها تشكل خرائط جديدة للعالم, بهذا المعني تتأثر الجغرافيا السياسية لنفسها اي انها تستعيد اهميتها مرة أخري من حيث التنافس عليها. اما الدراسة الثانية فقد نشرتها مؤسسة التراث المحافظة الأمريكية اكتوبر2008 حول الصراع المقبل في القطب الشمالي فإنها تحتاج إلي حديث خاص. وهكذا يعيد التاريخ نفسه وكيف ان ثأر الجغرافيا هو عملية مستمرة لاتنتهي طالما بقيت المصالح, وهو ما اشار إليه مبكرا الراحل العظيم جمال حمدان في كتاب استراتيجية الاستعمار والتحرير حيث قال ما نصه: الحقيقة ان التاريخ هو معمل الجغرافيا كما قيل, وهو كذلك مخزن الاستراتيجي الذي لاينضب, وكل منهما يستمد منه خامته ويجري عليها تجاربه, وبالنسبة للجغرافي بالذات, فان التاريخ اذا كرر نفسه ـ وهو قد يفعل ـ فهذا التكرار هو الجغرافيا ـ اعني ان الجغرافيا بهذا هي الجذر الجبري للتاريخ, وعملية استقطاب له وتركيز, اكثر من هذا ليس التاريخ كما عبر البعض إلا جغرافيا متحركة, بينما ان الجغرافيا تاريخ توقف وهما معا اشبه شيء بقرص الطيف, اذا سكن علي عجلته تعددت الوانه فان هو دار وتحرك استحال لونا جديدا واحدا. samirmorcosg@yahoo.com |
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع |
شارك بآرائك وتعليقاتك ومناقشاتك في جروبنا على الفيس بوك أنقر هنا |
أعرف مزيد من الأخبار فور حدوثها واشترك معانا في تويتر أنقر هنا |
تقييم الموضوع: | الأصوات المشاركة فى التقييم: ٠ صوت | عدد التعليقات: ٠ تعليق |