أكد عدد من المثقفين والنقاد أن تجربة الدكتور مصطفى محمود ما زالت تلقى نوعاً من الحضور النسبى بين الجمهور، خاصة أنه كان مثقفاً فى مختلف المجالات، وقالوا لـ«الوطن» إنه أجرى تجربة مهمة لتبسيط العلوم والقضايا الفلسفية المتخصصة حتى أطلق عليه «فيلسوف العامة»، بينما أخذ عليه عدد آخر محاولته المزاوجة بين العلم والدين، التى -اعتبروها- لم تكن فى صالح أى من المجالين، متفقين على أن أفكاره لم تعق تجديد الخطاب الدينى.
الدكتور سعيد توفيق، أستاذ الفلسفة بجامعة القاهرة، والأمين الأسبق للمجلس الأعلى للثقافة، يرى أن «إسهامات الدكتور مصطفى محمود متعددة ولا تخلو من الفائدة، وهو إنسان خيّر وفيه طبيعة الزهد، وعلى المستوى الإنسانى له فضل كبير، وأتفق مع الرأى القائل إنه فيلسوف العوام، حيث إنه كان يقرّب بعض القضايا المتعلقة بالثقافة الفلسفية من رجل الشارع، أو القارئ البسيط، وهذا جهد محمود ويعد أهم إنجازاته، وهو مثقف وقارئ فى الفلسفة، لكنه ليس صاحب نظرية أو مذهب فلسفى، ولا يمكن وصف كتاباته بأنها فلسفة متعمقة».
"توفيق": إسهاماته لا تخلو من الفائدة لكنه ليس صاحب نظرية أو مذهب فلسفى
يقول «توفيق» إن «هذا هو ما يفسر استمرار كتبه حتى الآن، وإن كان بشكل أقل من العصر الذى كانت توجد فيه، وهذا يرجع إلى كون هذه الكتب تبسيطية، وتجد القارئ الملائم لها»، مؤكداً أن الرواج الذى حققه يشبه البسيت سيللر، ولا يعنى العمق أو القيمة الأعلى، سواء فى المجال الفكرى أو العلمى، بل على العكس من ذلك كلما كان المجتمع أقل ثقافة، راجت الكتابات البسيطة.
ولفت أستاذ الفلسفة إلى أن «شهرته الأكبر جاءت من خلال برنامج العلم والإيمان، الذى استمر لفترة طويلة جداً، وإن كنت أرى أنه أضفى على نفسه هالة العالم، وأنه مكتشف ما يعرضه فى البرنامج، أو أنه يقدم شيئاً جديداً، مع أنها مجرد برامج منتجة فى الغرب، وكل دوره كان مجرد التعليق عليها».
ويستكمل أنه «كان يضفى بُعداً إيمانياً على مسائل علمية محضة، هى فى الأصل لا تحتمل هذا الفرض لوجهة النظر الإيمانية على موضوعاتها»، مؤكداً أن هذه مسألة إقحام للدين فى العلم، وهى من المساوئ الكبيرة جداً التى حدثت فى الثقافة الرائجة وقتها، كون الخلط بين العلم والدين بهذا الشكل، وفرض وجهة نظر إيمانية على كل مكتَشف أو قضية علمية يكتشفها الغرب، يعتبر تغييباً للوعى، لأنه أيضاً نوع من التبسيط الساذج لطرح القضايا العلمية، وكان أجدى كثيراً أن تقدم المسألة فى إطارها العلمى، كما وضعت فى الغرب.
"شرف الدين": نجح فى ربط معارفه بالواقع
وقال الناقد صالح شرف الدين إنه «قرأ كل كتب الدكتور مصطفى محمود، ويرى أنه من الكتّاب الذين تميزوا باستخدام العقل مثلما رأينا فى كتابه (حوار مع صديقى الملحد)، للوصول إلى نتائج وصل إليها قبله آخرون، فهو لم يكن يدخل الموضوع بأفكار مسبقة، بل يدخل إلى الموضوع بشكل أقرب إلى الحوار العقلى والمنطقى الذى اكتسبه من خلال تعليمه فتمكن من التأثير فى الناس، واستطاع أن يعمل لنفسه رصيداً كبيراً عند جماهيره، ولذلك ما زال حاضراً عند الناس بعد 10 سنوات من رحيله»، مشيراً إلى أن كتابته الأدبية التى بدأها فى مستهل حياته أيضاً تكشف عن كاتب موهوب لديه خيال واسع، ولكنه لم يقصر نفسه على هذا الجانب وربما يكون وجد نفسه أكثر فى برنامج «العلم والإيمان».
وأضاف «شرف الدين» أن «العلم ركن من أركان الإيمان بالشرائع، وهو أحد الأركان المهمة فى ثقافة الدكتور مصطفى محمود، وهو ما فعله على أرض الواقع فى المستشفى والجامع اللذين يحملان اسمه»، مؤكداً أن معارفه للعلوم فيها فهم ووعى، كما أن لديه قدرة على ربط هذه المعارف بالواقع، وكان كذلك صادقاً مع نفسه فوصل لقلوب الناس بنسبة كبيرة».
"حمودة": كُتبه لا تزال رائجة
يقول الدكتور حسين حمودة، الناقد الأدبى، إنه «يتصور أن كتب الدكتور مصطفى محمود لا تزال تلقى رواجاً وتوزع توزيعاً كبيراً إلى حد ما، بسبب سهولة الأسلوب الذى استخدمه فى أغلب كتاباته وأيضاً بسبب الموضوعات التى اهتم بالتوقف عندها، وربما أيضاً بسبب الحضور الإعلامى الكبير الذى كان مرتبطاً فى فترة من الفترات، وقد أثر فى تلقى كتابات الدكتور مصطفى محمود بشكل واضح».
ويتابع «حمودة» أن «تجربة مصطفى محمود حاولت المزاوجة بين بعض المفاهيم الدينية من ناحية وبعض تطورات العلم وإنجازاته من ناحية أخرى»، لافتاً إلى أنه يمكن الاختلاف حول أهمية هذه المزاوجة، وحول المنهج الذى قامت عليه والطريقة التى استخدمها، ولكن هذا كله لا يجعل من محاولته جزءاً من ترويج أفكار للتطرف، ولا أتصور أن أفكاره ساهمت فى إعاقة تجديد الخطاب الدينى بأى شكل من الأشكال، لكن الأفكار التى ساهمت فى هذه الناحية كانت متصلة بالماضى البعيد وبالتوقف عند بعض التصورات دون التفكير فيها.
الكاتب حمدى أبوجليل يقول إن «مصطفى محمود له إنجازات أدبية منذ فترة طويلة، وأذكر أن الكاتب الراحل محمد مستجاب أخبرنى أنه قرأ قصة لمصطفى محمود جعلته يتجه لكتابة القصة»، لافتاً إلى مصطفى محمود اختار طريق النجومية فى تاريخنا، فنحن لا ننتج للبشرية إلا الكلام، لكنه مستنير بالنسبة للإسلاميين وبالنسبة لعامة الشعب.
«أبوجليل» يرى أنه كان يربط العلم بالدين، أو يخضع العلم للدين، بينما العلم (ندل) يعمل على الفرضيات المتغيرة، وحيث يقول نظرية اليوم ويلغيها غداً، أما الدين فصادق، ووضعهما مع بعض يضر الدين، العلم لا يصدق شيئاً، بل يضع فرضيات قابلة للنقد والمحو أيضاً، هذا بخلاف الدين الذى لا يحتمل ذلك، لافتاً إلى أن هذا لا ينفى تأثيره الكبير على الناس ومكانته العظيمة عندهم، هذا بخلاف دوره المهم فى رعاية الناس.