كتب – ايهاب رشدى
كان تنينا ضخما يسكن النهر وكان أهل البلدة يسترضونه بتقديم أبنائهم ذبيحة له ، وفى إحدى المرات جاء الدور على ابنة الملك الوحيدة ليقدمها ذبيحة لاسترضاء التنين ، وإن امتنع الملك فسيخرج الوحش ليدمر المملكة بأسرها ، وهنا ظهر مارجرجس لينازل التنين ودرات بينهما معركة كبيرة انتصر فيها مارجرجس وقتل الوحش وانقذ البلدة من شره .
هذه هى القصة التى لازال البعض يراها فى أيقونة الشهيد مارجرجس الرومانى والتى تصوره قائدا وفارسا بملابس الميدان ممتطيا جواده ، يرتدى درع القتال والخوذة النحاسية وفى يده حربة طويلة يطعن بها تنين ، ومن خلفه تقف فتاة ترقب المعركة بين الفارس والتنين ، ولكن هذه الرواية فى الحقيقة ما هى إلا أسطورة - كما يقول الباحث القبطى حنا جاب الله أبو سيف - نشأت فى بلاد سورية فى القرن السادس الميلادى جاء فيها أن مارجرجس قد فتك بالتنين فى شمال بيروت ويقال أن هناك كنيسة متهدمة لا تزال موجودة إلى الآن عند مصب نهر بيروت تحمل اسم مارجرجس لتحييى ذكرى انتصاره .
وفى دراسة بحثية عن ايقونة الشهيد مارجرجس الرومانى أعدها حنا جاب الله الحاصل على دبلوم الدراسات العليا فى التاريخ القبطى ، يذكر ان الصورة المعروفة لمارجرجس قد رسمها الفنان الايطالى " رافايلو سانزيو ( 1483 – 1520 م ) وهى محفوظة حاليا بمتحف اللوفر بباريس ، ويقول أن هناك راى يرى أن صورة مارجرجس الحالية مستوحاة من الاسطورة المصرية الشهيرة لايزيس وأوزوريس وابنهما حورس ، حيث يوجد بالمتحف المصرى بالقاهرة منحوتة قديمة لحورس وهو يمتطى حصانا ويطعن تمساحا بحربته ، وكان هذا التمساح يرمز إلى عمه " ست " إله الشر الذى قتل والده أوزوريس ليستولى على الحكم ومزق جثته ووزعها على 14 منطقة فى مصر .
وهذا ما يؤكده المترجم الفرنسى سكوت مونكريف الذى يقول أن أصل أيقونة مارجرجس والتنين قد وجدت فى تصويرات المصريين عن الحرب بين حورس وست ، ومنها استوحيت صورة القديس مارجرجس وهو يحارب التنين
وقد رسم الفنان القبطى ابراهيم الناسخ وهو من أشهر فناني القرن الثامن عشر الميلادى صورة للبطل الرومانى وهو يمتطفى حصانه رافعا حربته واعلاها علامة الصليب التى انتصر بها على التنين ، وفى الجهة الأخرى قبة الكنيسة تعلوها علامة الصليب ويظهر رئيس الملائكة ميخائيل وهو يضع اكليلا على رأس القديس مارجرجس .
ويقول الباحث فى ذلك أن هذه الأيقونة هى صورة رمزية بحسب الفن القبطى ، فالحصان الأشهب يشير لمركز الشهيد مارجرجس الرومانى كقائد فى الجيش كقول الكتاب فى سفر الرؤيا " فنظرت وإذا فرس أبيض والجالس عليه معه قوس وقد اعطى إكليلا وخرج غالبا ولكى يغلب ( رؤ 6 : 2 ) ، أما الحربة فهى تشير إلى " كلمة الرب المحيية " لأن كلمة الله حية وفعالة وأمضى من كل سيف ذى حدين عب 4 : 12 ، و يرمز التنين للشيطان وايضا للطاغية دادايانوس الذى عذب الشهيد مارجرجس ، ويتم تصويره فى الايقونة بحجم صغير لاظهار حقارته بجانب القديس مارجرجس
بينما ترمز الفتاة للكنيسة عروس المسيح وهى ترتدى الملابس الملكية وهى واقفة ترقب معركة الفارس مع التنين ، وتنتظر النصرة ، ويرسم رئيس الملائكة ميخائيل وهو يضع اكليلا على رأس القديس مارجرجس وفى ذلك رمزا لما ناله الشهيد من أكاليل سماوية " واخيرا وضع لى اكليل البر " 2 تى : 8 "
أى أن الايقونة تلخص حكاية البطل الرومانى الذى دافع عن الكنيسة وهزم طغيان الدولة الوثنية والمعنى الروحى لها أن المجاهد قد انتصر على الشر وغلب عدو الخير بقوة الصليب .
ويذكر الباحث أيضا ان هناك ايقونة أخرى لمارجرجس تصوره وهو يمتطى حصان أبيض وخلفه يجلس صبى وبيده ابريق وأمام الحصان إمرأة هى الملكة الكسندره زوجة الملك داديانوس والتى آمنت بالسيد المسيح بعد لقائها بمارجرجس فى قصر الملك وقد عذبها زوجها الملك عذابا شديدا والقاها فى السجن إلى ان تنيحت وتعيد لها الكنيسة الارثوذكسية بحسب كتاب السنكسار فى 15 برمودة من الشهور القبطية ، وهذه الايقونة موجودة بكنيسة العذراء الدمشيرية بمصر القديمة وترجع للقرن الـ 18 الميلادى ومكتوب عليها بالعربية تصوير ابراهيم ويوحنا الآرمنى .
أما الصبى الذى صوره الفنانين فى الايقونة حاملا ابريق ، فترجع علاقته بمارجرجس بحسب ما تروى إحدى معجزات الشهيد بان سيدة عاقر كانت تطلب من اللـه أن يكون لها نسل وتتشفع بأمير الشهداء مارجرجس فحقق اللـه أملها ورزقت بطفل وكانت تقيم الاحتفالات لمارجرجس في كل عــــــــام. وفي إحدى حمالات البربر علي البلاد تم اسر الطفل في بلاد الاتـــراك وكان يسقي الملك الخمر في الإبريق وفي أثناء ذلك جاء موعد الاحتفال السـنــوي فكانت الام في حيرة مــــن اقامة الاحتفال ، فظهر أمير الشهداء جورجيوس وحمل الطفل خلفه وأنقذه من الأسـر ورجع به إلى أمه .