عادل نعمان
ثار الثوار وحماة الدين على الفنانة صابرين لخلعها الحجاب، واتهموها بنزع عباءة الإسلام وربقة الحياء والدين، وكشف زينتها للشياطين، وإسقاط الحجاب من عليائه، وإنكار ما هو معلوم من الدين بالضرورة، ورموها وقذفوها على آخر ما وصلت إليه لغتهم السوقية، وطول ألسنتهم، واللهم لا حسد فيما يملكون، ولم نسمع منهم استهجاناً أو استقباحاً أو رفضاً لما فعله الناس من سرقة بنزين الدولة فى مدينة إيتاى البارود، وتحركت مشاعر الغوغاء تجاه كشف شعر صابرين، ولم تتحرك شعرة واحدة من مشاعرهم لسرقة المال العام، بل وصل بهم الأمر إلى اعتبار من مات منهم محروقاً مات على شهادة، يدخل الجنة ويتقاضى معاش شهيد، ويُرفع اسمه على إحدى مدارس أولادنا الصغار.

ولأن مشايخنا وفقهاءنا قد حصّنوا من يسرق المال العام من إقامة حد السرقة، واعتبروه معفياً من إقامة حد قطع يد السارق، لشبهة ملكية السارق فى هذا المال العام، وشبهة الظلم فى جمعه، فقد كان أحد الأسباب فى استهانة الناس بالمال العام، واعتباره مباحاً، إما بالسرقة أو بإتلافه أو إبادته، لكنهم لم يُفصحوا عن السبب الحقيقى فى هذا الأمر، فقد استهان البعض من الصحابة بالمال العام من بيت مال المسلمين، وجاروا وبعزقوا واختصوا أهلهم وعشيرتهم به، واستولوا عليه لأنفسهم، واعتبروا أنفسهم شركاء فيه كما كانوا أوصياء ومشاركين فى جمعه، يثقون كل الثقة، وهم مطمئنون، أن هذه الأموال كلها ليست حقاً لهم، وظالم من جمعها بغير حق، ومظلوم من رضخ واشترى نفسه وأولاده، فتفتق ذهنهم عن استبعادهم من إقامة الحد لهذين السببين، فلا يُعقل أن يفلتوا من إقامة الحد بعد هروب أحدهم من إمامه ووليه إلى مكة، وتحصنه هناك بقصوره وعشيرته، وأحدهم اشترى نفسه من خليفته، بعد رده نصف ما جمعه عنوة واغتصاباً، ومنهم من زاغ إلى عسقلان وعاش فيها بقية عمره هانئاً سعيداً واعتزل الفتنة الكبرى حتى مات، فمن غير المعقول أن نأخذ عنهم مرويات وأحاديث عن النبى، نقبلها ونثق فيها ونعمل بها، فكان ما كان وأُعفوا جميعاً من العقاب. يا أيها المشايخ، المال العام أشد حرمة من المال الخاص، فهو سرقة الناس أجمعين، هكذا يجب أن يفهم الناس، كما نادى بذلك الشيخ الأزهرى نشأت زارع فى صلاة الجمعة بمسجده بالدقهلية، وألب عليه الكثير، وكأن المال العام حلال على الناس سرقته.

نعود إلى صابرين الفنانة الموهوبة، الحجاب قتلناه بحثاً وقتله غيرنا من قبل، وهو وجه للإسلام السياسى فقط، يدخلون به بيوتنا ومدارسنا وجامعاتنا، وحتى صغارنا وأطفالنا فى المدارس لم يسلموا منه، وهو القيد الذى يضعه هؤلاء فى رقاب المجتمع، يسوقونه به ويقودونه للوصول إلى الحكم، فهو بداية ومفتاح توجيه المجتمع وجهة الخلافة والدولة الدينية، والتخويف والترهيب إحدى سلاسل القيادة، أما عن لفظ الحجاب الذى جاء ذكره فى القرآن، فهو غير قطعة القماش التى تضعها المرأة الآن، وهذا ما نسميه المعنى الاصطلاحى للكلمة، أما ما قصده الله هنا بالحجاب فهو الساتر أو البناء أو الحاجز، شتان بين المعنى الاصطلاحى للكلمة والمعنى التاريخى أو المقصود بها. وهو ليس دليل العفة والشرف، وليس فرضاً على المسلمة، وليس أمراً إلهياً، بل هو دعوة سياسية، وقلنا مراراً لو كان الحجاب للستر وللعفة وغضّ البصر، لكان أولى بالإماء وضع الحجاب عليهن، بدلاً من كشف نهودهن وأفخاذهن، وكن يتجولن بين الناس ويخدمن فى بيوت المسلمين والخلفاء هكذا، وعوراتهن كعورة الرجال من السرة حتى الركبة، على أكثر المذاهب، وأما عن الفتنة والجمال، فكنّ أجمل وأفتن مئات المرات من نساء العرب، وأكثر إغراء، ومن قال إنهن من غير المسلمات، نقول له ليس صحيحاً، قد كان منهن مسلمات أيضاً، وكفانا حديثاً فى هذا الشأن، وكل من كان مقتنعاً بوجهة نظره فليسر فيها كما يشاء، إلا أن ينادى هؤلاء القوم بأن الحجاب زى إسلامى.

ماذا دهانا وماذا أصابنا؟ ومن هذا الذى خرّب عقولنا؟ وعكر مياهنا العذبة الصافية؟ وأفسد حياتنا المطمئنة؟ وفتح للغوغاء والدهماء والجهلاء باب الوصاية والإمارة على عباد الله؟ من هذا الذى أعطى حق الله لهؤلاء المتخلفين للحكم والفصل والفتوى والرأى فى أمور الناس بالباطل وعن جهل ودون علم؟ حتى غاب عن هؤلاء الناس أن التعدى على أموال الناس والشعب وحقوق الغير حرام، ولا يحق له الاعتداء عليها أو استحلالها، وغاب عن الحضور من العقلاء مراجعة هؤلاء أو لومهم أو نصيحتهم، حتى بات الأمر وكأن الجميع شركاء فى سرقة المال العام، دون رجل رشيد، وغاب عن الآخرين حق الناس فى اختيار زيهم ولباسهم وأفكارهم دون تدخل من أحد، أو وصاية من الدولة أو الشعب أو رجال الدين، كل هذا صناعة المشايخ حين فتحوا الباب للناس فى محاسبة الناس، تحت دعاوى تغيير المنكر باليد، وكانت بداية الكوارث.

عود حميد يا صابرين، وعقبال كل المضللات والمضللين، وخصوصاً الفنانات، اللوحة الجميلة فى حياتنا، التى فقدناها من سبعينات القرن الماضى، وكنتن إحدى أدوات التضليل، وعفا الله عما سلف، واطمئنوا فإن الله لا ينظر إلى أجسامكم ولا إلى صوركم ولكن ينظر إلى قلوبكم.
نقلا عن الوطن