«إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَا هَذِهِ التَّمَاثِيلُ الَّتِى أَنتُمْ لَهَا عَاكِفُونَ* قَالُوا وَجَدْنَا آبَاءنَا لَهَا عَابِدِينَ»، كان هذا هو سؤال الصبى النبى إبراهيم لقومه، وتلك كانت الإجابة، سؤاله يحمل ألق الدهشة، وإجابتهم تحمل كسل العادة، طعم سؤاله ببكارة وطزاجة الكشف، وطعم إجابتهم بملح وصدأ الألفة، جسارة السؤال جعلته يحمل فأسه ويحطم الأصنام «وَتَاللَّهِ لَأَكِيدَنَّ أَصْنَامَكُم بَعْدَ أَن تُوَلُّوا مُدْبِرِينَ* فَجَعَلَهُمْ جُذَاذاً إِلَّا كَبِيراً لَّهُمْ لَعَلَّهُمْ إِلَيْهِ يَرْجِعُونَ»،
لم يكتف بالكسر بل فتتهم إلى جذاذ، بالرغم من تشدد قوم إبراهيم وتصلبهم، وبالرغم من النار التى جعلها الله برداً وسلاماً عليه، وبالرغم من الحرب والمطاردة والاضطهاد، بالرغم من كل تلك الصعاب والمخاطر الجسيمة، فإن مهمة النبى إبراهيم فى تحطيم أصنام الأمس كانت أسهل من مهمة من يفكر فى تحطيم أصنام اليوم، فالأصنام صارت أضخم وأفخم وأرسخ،
والفأس الذى كان يستطيع تحطيم الفخار والصلصال لم يعد يصلح لتحطيم الصلب والفولاذ، الأصنام صارت تصنعها مؤسسات وتحرسها مافيات وتذبح لها القرابين من البشر المليارات وتصرف عليها من الأموال التريليونات!، لذلك فمعركة تحطيم الأصنام أصبحت تحتاج بداية إلى جسارة السؤال وتغيير الأسلحة وتوسعة الجبهة، والبداية شجاعة السؤال، والاحتفاظ بخيال الطفل إبراهيم، حقاً تم إنقاذه من النار بفضل الرب، لكن من لم يبعث لهم الرب البرد والسلام وسجنوا وعذبوا مثل جاليليو أو تفحمت جثثهم فى مسيرة التنوير مثل القس «برونو» وغيره،
لم يموتوا هباء، وكان رماد جسدهم المتفحم شمعة ضوء ونور كسرت ظلام النفق المعتم وفضحت جلافة وسفالة وغلظة حس الظلاميين، النور قادم لا محالة، هذا هو ما يخبرنا به التاريخ، ويطمئننا به الزمن، ويحنو علينا به العلم الذى يمدنا بالنعم من أياديه البيضاء كل يوم، لكن لكى يعبر خيط النور من ثقب الحائط علينا أولاً تحطيم الأصنام التى تحجب عنا الشمس، تحطيمها بفأس الدهشة الحارقة المتحرقة والسؤال المزمن الدائم الذى لا يهدأ عن إثارة الإزعاج والاستفزاز، ما أكتبه محاولة متواضعة لتكسير أصنام كثيرة راسخة فى أذهان المسلمين، تلك الأصنام التى جعلتهم أبرز الذين فى خصام مع العالم والحضارة والحداثة، جعلت الجميع يتشكك أول ما يتشكك عند حدوث جريمة إرهابية فى أسماء مثل محمد أو محمود أو عبدالرحمن، الأصنام التى جعلت معظم مهاجرينا لديهم رهاب الاندماج، حتى أجيالهم الثانية يكبرون بنفس الفوبيا والرفض والعزلة،
ينمون بنفس جين الكراهية لمجتمعات علمتهم ومنحتهم الأمان والتأمين الصحى، واستقبلت قواربهم التى غرق نصف ركابها وهم يحلمون بالشاطئ الآخر، كيف لمن حلم بالوصول إلى هذا الشط أن يستيقظ صباحاً ليحرق عشبه وقمحه ونخيله؟ ألف سؤال وسؤال لن تبدأ رحلة الإجابة عليها ثم حل ألغازها إلا بتحطيم تلك الأصنام، هى أصنام عدم فهم نتاج جهل، أو فهم مغلوط عن حسن نية أو نتيجة غسيل أدمغة وتزييف وعى لبعض الجماهير، أو فهم مغلوط عمداً وقصداً من الدعاة ورجال الدين للاحتفاظ بالسلطة والثروة والتأثير.
من مقدمة كتاب «هذه أصنامكم وهذه فأسى».
نقلا عن الوطن