محمود العلايلي
من الأمور التى تشغل العديد من المهتمين بالعمل السياسى، الأسباب التى على أساسها أصبح الناخب فى الديمقراطية'> النظم الديمقراطية يختار مرشحه، خاصة بعد التجربة الأمريكية بانتخاب دونالد ترامب، والفرنسية بانتخاب إيمانويل ماكرون، وأخيرا فى تونس بانتخاب قيس سعيد، والمعروف أن ثلاثتهم لم يتم اختيارهم على الأسس المتداولة سلفا، سواء فى النظم البرلمانية أو النظم الرئاسية أو حتى فى فترة ما بعد الثورات مثلا، حيث لم يكن أى منهم منخرطا فى حزب أو مؤسسة سياسية منظمة بالشكل المفهوم، ولم يكن أى منهم قائدا فكريا أو زعيما سياسيا بالمعنى المعروف عن الشخص الكاريزماتى الذى لديه القدرة على جذب الناس وحشدهم خلفه، وإنما يتميز ثلاثتهم بالطزاجة السياسية، حيث لا تاريخ سابقا تقريبا يحسب عليهم أو لهم، ويتفق ثلاثتهم فى أنهم جاءوا كرد فعل رافض للأوضاع السياسية المستقرة، كما أن أغلب المواطنين انتخبوهم على سبيل التجربة من منطلق لن يكون هناك أسوأ مما كان، وحتى أنه- فى نفس المدة- أُجرى العديد من الانتخابات فى أكثر من دولة وجاءت نتائجها لصالح ذوى الخلفيات التقليدية، ولكن كان للتيار الجديد المتنامى تأثيره على النتائج واجتذابه أعدادا متزايدة من المواطنين الرافضين للأوضاع السياسية والاقتصادية الراكدة.
والحقيقة أن الإشكالية المطروحة ليست معنية إلى حد كبير بنتيجة الانتخابات، أو بمن أتت، لأن النتيجة مختلفة فى الحالات الثلاث، حيث جاءت فى الولايات المتحدة برئيس يمينى شعبوى، بينما أتت فى فرنسا برئيس ليبرالى شاب، وفى تونس أفرزت التجربة رئيسا غير معروفة دوافعه ولكنه مدعوم بقوة من التيارات الإسلامية التونسية، ولذلك لا يمكننا أن نقر بأن هناك تيارا معينا مستفيدا من التغير الحاصل فى العملية الديمقراطية، وعليه فإن الإندهاش ليس من النتائج بقدر التوجس من تغيير قواعد اللعبة، ومن ثم إمكانية استفادة أطراف غير مؤهلة لاعتلاء مراكز قيادية مؤثرة، مما لا يشكل خطرا فقط على التجربة الديمقراطية كعملية سياسية، ولكن يكمن الخطر الحقيقى فى تهديد الاستقرار نفسه الذى يعد أساسا للعملية السياسية أولا، وبالتالى تهديد العمليات الاقتصادية وآليات التنمية المرتبطة بالسياسة.
والحقيقة أن هذا الطرح الأولى ليس معناه رفض التغيير بشكل مطلق وإنما التعبير عن التأخر فى فهم تأثير العالم الافتراضى على العملية السياسية، وكيفية صناعة نجم أو بطل بطرق رقمية غير اعتيادية، كما أنه من المهم أيضا فهم الخط البيانى لكل نجم والتوقيت السليم للدفع به للعالم المحسوس، قبل أن يتعرض للأفول غير المحسوب، أو سطوع آخر على غير انتظار، لأن دورة الحياه الافتراضية تختلف جذريا عن الواقع المعتاد، وطريقة التفاعل الافتراضى تتطلب القدرة على التماشى بقواعدها، والتعامل بقوانينها، وليس بالبكاء على الثوابت، والندب على عدم المقدرة على التعامل مع المتغيرات.
إن البراجماتية السياسية المعبرة عن إحساس المواطنين وجب أن تتغير وتتبدل بنفس السرعة التى تتبدل بها مشاعرهم، ولذلك أصبح التعامل اليومى الآنى يلاقى مصداقية لدى الناس عن الأيديولوجيات السياسية المستقرة، كما أن هناك تغييرا فى مفهوم المواطنين عن الشخص القائد، حيث أصبح التكرار فى نسق أيديولوجى محدد من الأمور المنفرة لدى رجل الشارع الذى صار يفضل الشخص المرن القادر على التعامل مع المتغيرات على مدار الساعة دون التقيد بتاريخ سياسى معين أو التمحور حول فكرة سياسية محددة.
وعلى ما سبق، فإن تغيير قواعد اللعبة سيؤدى إلى أن يترك الميدان العديد من اللاعبين، حيث لن يظل فى الميدان إلا من يستطيع تطوير نفسه ومؤسسته بحسب القواعد المستجدة، فى عصر يحتم على الإنسان التغير ليتواءم مع الواقع، حيث لن يتغير الواقع للتواؤم مع أحد أبدا.
نقلا عن المصرى اليوم