شاعر مختلطة سيطرت على الأم الثلاثينية أمنية زكريا، طيلة أشهر حملها حينما علمت بأن جنينها أصيب بتشوه خلقى، بعدما تزايدت المياه فى رحمها، ارتضت بقضاء الله رافضة أى أحاديث حول إجهاض طفلتها، ظلت منتظرة مجيئها بسلام حتى وضعتها ولاحظت كبر حجم أصبع الإبهام لديها، اعتقدت بأن التشوه أخذ مكانه فى أصبعها، غير مدركة بأنه علامة مميزة لأصحاب المرض النادر متلازمة روبينشتاين، الذى أحدث تأخراً ذهنياً بالطفلة الصغيرة.

مرت أشهر على ميلاد الرضيعة «حبيبة» زادت من فرحة الأم، فهى حبيبة الروح ومسكن الفؤاد، الذى بدأ القلق يتسرب إليه، فالرضيعة لم تنتبه لأى مؤثرات خارجية، وجه ملائكى خال من أى تعبيرات، وكأنها فضلت العيش فى عزلة عن العالم الخارجى، فقصدت «أمنية» أحد الأطباء ليلقى فى وجهها صدمة أفقدتها السيطرة على مشاعرها، فرضيعتها مصابة بثقب فى القلب، وفاقدة لجميع الحواس ولا يمكنها مواصلة الحياة أكثر من 4 أعوام، هكذا أخبرها الطبيب.

حسرة وخوف من فقدان حياة رضيعتها التى أصرت على منحها فرصة الخروج من رحمها بأمان، رفضت حديث الطبيب وقصدت مراكز طبية متعددة، لكن النتيجة كانت واحدة، فهى الحيرة التى انتابت الأطباء فى تفسير الحالة الصحية للطفلة، فلا أشعات أو تحاليل تمكنت من الوصول لحل اللغز، الرحلة المزعجة استمرت 4 أعوام كاملة دون تقدم فى حالة الطفلة التى بدت عليها ملامح التأخر الذهنى، فقررت والدتها إيقافها والذهاب بطفلتها لجلسات تنمية المهارات الأساسية.
الأم: "أول مرة تقول لى ماما كان عندها 5 سنين.. وقتها كأنى ملكت الدنيا"

وعلى مدار عام كامل احتضنت الأم صغيرتها، تعلمت خلالها المهارات الأساسية، ففى عمر الثالثة خطت الصغيرة أولى خطواتها، وبعد جلسات التخاطب، استمعت الأم الثلاثينية للمرة الأولى الكلمة التى طال انتظارها: «أول مرة تقول لى ماما.. كان عندها 5 سنين كأنى ملكت الدنيا وقتها».

قصدت الأم المركز القومى للبحوث، الذى طلب إجراء الصغيرة لتحليل الكروموسومات، تجمع الأطباء حول النتيجة التى رسمت على وجوههم الغرابة والتحديق فى زيادة حجم أصبع الإبهام، حتى حمل أحد الأطباء النتيجة النهائية بأن صغيرتها حاملة لمرض نادر يدعى متلازمة روبينشتاين: «قالولى بنتك عندها مرض نادر ملهوش علاج».

الطبيعة النادرة التى يتسم بها المرض جعلته غير معلوم بالنسبة للكثيرين، ما دفع «أمنية» لتدشين صفحة عبر «فيس بوك» تحمل اسمه، للتوعية به ونشر آخر الأبحاث العلمية حوله.

بلغت «حبيبة» عامها التاسع لكن من الناحية الإدراكية والذهنية فهى ما زالت طفلة لم تبلغ عامها الثالث بعد، تساعدها جلسات التخاطب وتنمية المهارات فى اكتساب أمور جديدة، فهى قادرة على تدبير أمورها الأساسية، والتحقت بإحدى مدارس التربية الفكرية، بعدما تجاوزت اختبارات الذكاء بنسبة بلغت الـ50%: «مكنتش أتخيل توصل للمستوى ده.. إنجاز وفرحة كبيرة بالنسبة لى».

تميز الطفلة بالحيوية والحركة جعل الأم تفكر فى تكرار الإنجاب للمرة الثالثة، فـ«حبيبة» هى الطفلة الثانية، خاصة بعدما نصحتها طبيبة بضرورة الإنجاب حتى تكبر ابنتها فى رعاية أشقائها، وبالفعل وضعت «أمنية» صغيرتها الثالثة: «حبيبة عارفة إخواتها.. بتحبهم وبيلعبوا مع بعض.. ربنا مراضينى فيهم».

حياة مليئة بالحب تعيشها الأسرة الصغيرة، لم يعكر صفوها سوى أحاديث تحمل التنمر والسخرية من الطفلة الملائكية، المعاناة التى تواجهها «أمنية»، تحاول الابتعاد عن كل ما يؤلم طفلتها نفسياً: «الناس بيؤذونا بالكلام.. بقيت خايفة عليها تكبر»، تحاول الأم تفريغ الآلام النفسية التى تلحق بها فى قصائد شعرية عبرت من خلالها عن حبها لطفلتها الملائكية: «حبيبة نفخ الخالق روحها بأحشائى وبدأت معها تزداد دعواتى يوماً بعد يوم أتخيلها أمامى ترافقنى تدللنى تواسى آلامى طفلتى المدللة تلهو ترقص ولا تبالى».