الأقباط متحدون | إلهام الثورات ودور الخواص في تغيير مجرى التاريخ
ستظهر الصفحة بشكل مختلف لآنك تستخدم نسخة قديمة من متصفح أنترنت أكسبلورر، استخدم نسخة حديثة من انترنت اكسبلورر او أى متصفح أخر مثل فايرفوكس لمشاهدة الصفحة بشكل أفضل.
أخر تحديث ٠٠:٤٠ | الأحد ٥ فبراير ٢٠١٢ | ٢٧ طوبة ١٧٢٨ ش | العدد ٢٦٦١ السنة السابعة
الأرشيف
شريط الأخبار

إلهام الثورات ودور الخواص في تغيير مجرى التاريخ

الأحد ٥ فبراير ٢٠١٢ - ٠٠: ١٢ ص +02:00 EET
حجم الخط : - +
 

كتب : أحمد صبح

كان يوم 11/2/2011.م يوماً مشهوداً في تاريخ مصر ، حيث شهد تنحى الديكتاتور عن منصبه في رئاسة الدولة المصرية ، وهو ذات اليوم الذي انتصرت فيه الثورة الإيرانية ، وأصبحت مكللة بتيجان النصر ، بعد عصر الطاغية شاه إيران محمد رضا بهلوي وقد كان هذا الانتصار في كتابه المرقوم يوم 11/2/1979.م ، هذا الارتباط التاريخي بين الثورات ، أظهر أن يد الله تعمل في الخفاء وبطريقتها الخاصة ، مما يترك عند المظلومين في كل مكان أملاً وندى ، ونبراساً وهدى ، وظلاً وظليلاً في الهاجرة ، وأن الحق هو الأصل الراسخ ، والعدل الخالص ، وهو روح كل نظام ، وحياة كل كمال ، وقوام كل خير في الأرض والسماء ، يهتدي إليه العقل السليم ، ويؤيده العلم الصحيح ، ويتأدى إليه النظر القويم ، ويرتاح إليه القلب ، ويطمئن له الضمير .

وإن تعجب فعجب أنه في اليوم الذي غادرت فيه تونس طائرة زين العابدين بن على إلى غير رجعة ، هو ذات اليوم الذي غادرت فيه طائرة شاه إيران الدولة الإيرانية ؛ حيث غادر ديكتاتور تونس في 18/1/2011.م ، وهو ذات اليوم الذي غادر فيه طاغية إيران 18/1/1979.م ، ليعطي ذلك درساً في التاريخ أن الباطل هو الفساد الزائل ، والزور الحائل ، والشر المستطير ، لأنه علة كل متداع ، وسبب كل فتنة ، ينفر منه العقل ، ويدحضه العلم ، ويتقزز منه النظر ، وهذه حكمة الله لتذوق شيعة الباطل وبال أمرها ، فترجع إلى هداها عن بينة أو تهلك عن بينة ، وتكون في ترطمها في باطلها وتورطها في آثاره الحانقة بها حجة على نفسها ، وعبرة لغيرها من الجماعات البشرية ، وقد كان ؛ فقُطع دابر الذين ظلموا والحمد لله رب العالمين .

لقد ظن الناس أن الشعب المصري لا تاريخ له ، عندما سحقت كليات الدولة قوى المجتمع المدني وهمشتها ، كذلك تفعل جميع الديكتاتوريات في العالم ، مما حوّل السياسات الاجتماعية في البلاد المقهورة إلى سياسات أمنويّة تصب في خانة حماية المجتمع من قوى الارهاب والتطرف ، لذلك كانت الأنظمة المستبدة مصنعاً لتفريغ الأكاذيب واختلاق الإشاعات ، ونكث العهود ، والتحلل من الالتزامات ، وهذا الاحتقار من الأنظمة المستبدة لشعوبها ، التي ترى أنه من الواجب عليها إخفاء الحقيقة ؛ فأصبح الكذب فناً محترماً ، حتى أدى ذلك إلى إنهاك الشعوب ، وإرهاق قدرتها على الصبر ، وفقدان مناعتها إزاء الحقيقة والصدق ، مما جعل الناس يعيشون في جو من اليأس ، الأمر الذي أدى إلى ظهور تشوهات فكرية لم تعد آياتها خافية على أحد ، نراها متمثلة في تنامي الجسم ، وضمور العقل .

وبالجملة فإن الأنظمة المستبدة تزوّر لك ، وتلبّس عليك ، فما فيها من لون عندك تعيبه إلا هو عندها تحت لون يزينها ، ولارذيلة تقبحها إلا هى في معنى فضيلة تجملها ، حتى أفسدت على الشعوب الشعور والوجدان ؛ فجاءت الثورة على هذه الأنظمة ، والتي هي السلوك الإنساني المنظم الهادف ، والذي يعطي نماذج ملهمة للآخرين ، ففي تونس بدأ شعار إذا الشعب يوماً أراد الحياة فلابد أن يستجيب القدر ، وقد كنا في فترة من الفترات نصف قائل هذا البيت بالكفر لأن القدر لايتم إجباره على الإجابة ، ولكن نضج فكرنا فالزمن كان جزءاً من العلاج حيث أن التغيير لابد أن يكون من الناس ، حتى يغيّر الله لهم " إن الله لايغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم " ، وقد كان ؛ فخرج الشعب التونسي ضد الديكتاتور بن على واستجاب القدر لهم ، ومن اللطائف أن قائل هذا البيت الشاعر التونسي أبو القاسم الشابي ، فهو ينطبق على الشعب التونسي بعموم اللفظ وخصوص السبب ، وهذه من المفارقات العجيبة ، حيث أن الثمرة جناها الشعب التونسي ، لأنه أول من غرس شجرتها على يد شاعره ، وانتقل الإلهام بعد ذلك إلى الشعب المصري العظيم الثائر ، وأخذت مقولة " الشعب يريد إسقاط النظام " تتردد في مصر وليبيا ، واليمن والبحرين وسوريا ، وهو شعار يعبر عن الروح الجمعية للشعوب بأتم الكلمة ؛ لأن الفعل ثار ويثور وحتى المصدر ثورة يدل على ظهور فعل الإنسان واحتياجه في هذا الفعل للآخر ، لأنه يقوم بسلوك جمعي ومن خلال الآخرين ، فهي عملية إبداع بحتة ، لذلك يصحبها إنتاج فكري يُعيد صناعة القيم والسلوكيات ، ويعطي معنى جديداً للأشياء .
والثورات التي تقوم في ربيعها العربي في هذه الأيام يلهم بعضها بعضاً ، حيث لا علاقة لها بالدين أو المذهب ، إلا من حيث الأصل العام ، وهو الثورة على الظلم والاستبداد ، فالناس تجمعوا من أجل أهداف جماعية محددة ، والدفاع عن الوطن ، يعني أنه بعد الانتصار الكبير يكون للجميع وليس لمجموعة دون أخرى ، أو مجموعة من الدرجة الأولى وأخرى من الدرجة العاشرة ، فإذا كان الهدف هو إرجاع الثروات الوطنية ، فلا تستفيد منه جماعة دون أخرى ، وإذا كان الهدف هو حرية التعبير فلا يحق لمجموعة أن تقول كل شيء ، وأخرى لا يحق لها شيء ، كل ذلك نتيجة لهوى النفس وسيطرته على الفعل والحركة ، لذلك فإن الثورات الكبرى هى مجرد سلوكيات لبني الإنسان - إن لم تسر في طريقها الصحيح - تبدأ بالطموح إلى البناء ثم تنتهي بالهدم ، نتصور أنها تعمّر لكنها في حقيقتها تدمر ، فإذا كانت سيادة الأفكار الشخصية على المجتمعية ، فإنها تسبح بعيداً فتبني مدينة على حساب جماجم ودماء الشعوب !!
وإذا كانت الثورة تحمل أفكاراً تغييرية فصاحبها ليس ثورياً بل انتهازياً إذا كانت أفكاره لا تهدف إلى المصلحة العامة ، وإذا كان القائمون بالثورة ينوون بالسلوك التغييري سيادة أفكار معينة ولو بالقوة فهم استبداديون ، وإذا كانوا ينوون إقامتها بالسلم والحوار حتى لو كانت خاطئة ويقبلون الرأي الآخر فهم ديمقراطيون !!

إن الذين يقومون بالثورات دائماً هم من الخواص ، لذلك فإن قرارهم في الوقت المناسب ورؤيتهم الصائبة للأمور ، وتجاوزهم عن الدنيا في اللحظة المناسبة ، وموقفهم في سبيل الله ووطنهم في اللحظة المواتية ، كل ذلك هو الذي استنقذ الوطن والتاريخ وصان القيم والمباديء ، فتحية للثوار في تونس ومصر وليبيا واليمن والبحرين وسوريا ، ومن قبل ذلك في إيران على يد الإمام الخميني ، وإنما ذكرت ذلك الارتباط التاريخي لأنها ثورات شعوب ، قامت ضد الديكتاتور الظالم المستبد .

لذلك فإن الخواص] الثوار [ قرارهم المناسب إذا فات أوانه ، فسوف ينتهي الأمر إلى ما لا يحمد عقباه ، ففي عام 1978.م أعلن شاه إيران الأحكام العرفية في إيران ، لكن الإمام الخميني دعا الناس للنزول إلى الشوارع ، ولولم يتم اتخاذ هذا القرار في تلك اللحظة المناسبة ، لكان شاه إيران متربعاً على الحكم إلى الآن ، ولولم ينزل الناس إلى الشوارع حين إعلان الأحكام العرفية ولزموا منازلهم ، لتم القضاء على كل شيء ولما نجحت الثورة في إيران .

وفي عام 1992.م نجحت جبهة الإنقاذ في الجزائر باكتساح في الانتخابات ، ولكن الجيش انقلب على إرادة الشعب ، فلو أن قادة الجبهة دعوا الناس للنزول للشوارع – وقد كان الجيش ضعيفاً آنئذ - لانتصرت إرادة الشعب ، ولكن حب الدنيا عند بعض قادة الجبهة ، والحرص على بعض المناصب لدى آخرين ، لم يؤد إلى اتخاذ مثل هذا القرار ، الأمر الذي أدى إلى إيداع قيادة الجبهة في السجون ، والالتفاف على إرادة الشعب ولو أن الخواص في الثورة المصرية لم ينزلوا إلى الشوارع في 25 يناير 2011.م وفي أعقابها لأدى ذلك إلى بقاء الديكتاتور في منصبه إلى الآن ، ولكن الخواص من فئات الشعب نزلوا في الوقت المناسب لمساندة الشباب العظيم الذي بدأ هذه الثورة ، الأمر الذي نهنأ به الآن ، فأكتب غير خائف من تبعات قلمي بعدما ذقت الهوان أعواماً ، لولا الله ثم هذا الشباب المصري بمسلميه وأقباطه ، والذين لهم فضل علينا جميعاً .

إن حركة الخواص لايسهل الحكم عليها بمقياس الحوادث اليومية ، لأنها من أندر حركات التاريخ في باب الدعاوى السياسية التي لا تتكرر كل يوم ، ولايقوم بها كل رجل ، ولا يأتي الصواب فيها إن أصابت من نحو واحد ينحصر القول فيه ، ولايأتي الخطأ فيها – إن أخطأت - من سبب واحد يمتنع الاختلاف عليه ، فحركة الخواص أثناء تغيّر مجرى التاريخ لا يأتي بها إلا رجال خلقوا لأمثالها ، ولاتخطر لغيرهم على بال ، لأنها تعلو على حكم الواقع القريب الذي يتوخاه في مقاصده سالك الطريق اللاحب والدرب المطروق ، إن حركة الشباب في الثورات هي حركة فذة يقدم عليها رجال أفذاذ من اللغو أن ندنيهم بما يعمله رجال من غير هذا المعدن ، وعلى غير هذه الوتيرة ، لأنهم يحسون ويفهمون غير الذي نحسه ونفهمه ونطلبه من أولئك الرجال ، فهى ليست ضربة مغامر من مغامري السياسة ، ولا صفقة مساوم من مساومي التجارة ، ولا وسيلة متوسل ينزل على حكم الدنيا أو ننزل الدنيا على حكمه ، ولكنها وسيلة من يدين نفسه ، ويدين الدنيا برأي من الآراء هو مؤمن به ومؤمن بوجوب إيمان الناس به دون غيره ، فإن قبلته الدنيا قبلها وإن لم تقبله فسيان عنده فواته بالموت ، أو فواته بالحياة ، بل لعل فواته بالموت أشهى إليه .

هي حركة لا تقاس إذن بمقياس المغامرات ولا الصفقات ، ولكنها تقاس بمقياسها الذي لا يتكرر ولا يستعاد على الطلب من كل رجل أو في كل أوان ، هكذا يجب أن نتعامل مع الثوار أنهم قد يفهمون ما لانفهمه ويحسون ما لانحسه ، فقد جعلهم الله ستاراً لقدرته في إزهاق الباطل ، و إتيان الحق ، وجلب المصالح ودرء المضار والمفاسد ، هؤلاء هم الذين غيروا من أنفسهم في الوقت المناسب ، فتغير وجه التاريخ في نفس اللحظة .
إنهم الخواص من الأمة ، فهم قادتها في هذه اللحظات التاريخية ، هم الأسود والقادة لا الوعول والجبناء ، وأنا أتصور أن أسداً يقود مجموعة من الوعول ، ولا أتصور أن وعلاً يقود مجموعة من الأسود ، إن الخواص الذين يغيرون من مجرى التاريخ لابد أن يفضلوا المباديء على المصالح ، إلا أننا نرى بعض الخواص يفضلون المصالح على المباديء ، الأمر الذي يجعل التاريخ يتمرغ في مهاوي الضياع ، بل يجعل الثوار إذا فشلوا يساقون إلى مسالخ الذبح والسجون والمعتقلات ، وإذا قام الخواص بدورهم فسوف نجد هذا الارتباط بين الأرض والسماء ، سوف نجد يد الله في كل حادث ، وفي كل أمر ، وسنجد الشعوب تعيش حرة ، هادئة النفس ، مطمئنة السريرة ، قريرة الضمير .

أما أولئك الذين يقولون للثوار " لا مقام لكم فارجعوا " ، فقد آثروا القنديل الخافت الذي في أيديهم على الكوكب اللامع في السماء ، لا لأنهم لا يرون الكوكب اللامع في السماء ، بل لأنهم يرون القنديل والكوكب فيعلمون أن هذا قريب ، وأن ذلك جد بعيد !

 

 

 




كن في قلب الحدث... انقر هنا لتحميل شريط الأدوات الخاص بالموقع لتصلك الأخبار لحظة حدوثها



تابعونا على صفحتنا علي الفيسبوك
رابط دائم :
تقييم الموضوع :