الأنبا إرميا
استكملنا الحديث فى المقالة السابقة عن «الخليفة الظاهر» بعد وفاة عمته «ست الملك»، الذى فى أيامه تُوُفّى الخليفة العباسىّ «القادر بالله» وخلفه «القائم بأمر الله». وعام 427هـ (1035م)، تُوُفّى الخليفة «الظاهر» بعلة الاستسقاء، وتولى الخلافة بعده ابنه «مَعَدّ» ولقب بـ«المستنصر بالله».
الخليفة «القائم بأمر الله» (422-467هـ) (1031-1075م)
هو «أبو جعفر عبد الله» ابن الخليفة «القادر». تولى الخلافة بعد موت أبيه، وتلقب باسم «القائم بأمر الله». بدأ عهده بالاضطرابات والفتن فى عدد من البلاد التابعة «للدولة العباسية» ـ منها «بغداد»؛ ما أثار أطماع بعض الطامحين إلى الاستيلاء على أجزاء من الدولة العباسية؛ كذٰلك عظم شأن «السِلْـﭼُوقيِّين» ـ وهم سلالة تركية؛ فيذكر «حسن خليفة» أن ذٰلك الوقت: «طمع فى أطراف الدولة الطامعون، وكبر شأن «السِلْـﭼُوقيِّين» فى بلاد المشرق، وزحفوا نحو «العراق»، وظلوا يترقبون الفرصة حتى يدخلوا «بغداد» وينتزعوها من أيدى سلاطين «آل بُوَيه»؛ وقد وصلوا إلى مآربهم وقضَوا على «الدولة البُوَيهية» وحلوا محلها فى النفوذ والسلطان، وأداروا شُؤون الخلافة العباسية».
سلطان «آل بُوَيه»
كان الخليفة العباسىّ من الضعف حتى كان يؤثر فى أحكامه وقراراته السلطان البُوَيهىّ حسبما يشاء. وقد تولى أمر العراق «جلال الدولة» ابن «بهاء الدولة» البُوَيهىّ فى عهد الخليفة «القائم بأمر الله». وفى ذٰلك الزمان، اختل نظام الدولة وقلت الأموال حتى إن الخليفة لم يتمكن من دفع رواتب الجند؛ فجاءت ثورتهم عليه عام 426هـ (1035م) قاطعين الطرق ناهبين المنازل؛ وفُقد الأمان فى الدولة. وعام 432هـ (1040م)، طلب السلطان البُوَيهىّ إلى الخليفة أن يطلق عليه لقب «ملك الملوك»؛ فلم يقبل فى بادئ الأمر، لٰكنه رضخ للأمر ومنحه ذٰلك اللقب. وعام 435هـ (1043م)، تُوُفى جلال الدولة، وخلفه ابن أخيه «أبو كاليـﭽار المَرزُبان» ابن «سلطان الدولة»، ولُقب باسم «محيى الدين»؛ وقد ظلت الاضطرابات قائمة فى أيامه إذ حدثت منازعات شديدة بين الأتراك و«الدَّيلَم» وازدادت الأمور سوءًا واضطرابًا. وعام 440هـ (1048م)، تُوُفّى «محيى الدين»، وتولى بعده ابنه «أبو نصر خُسرو فيروز»، ولُقب باسم «الملك الرحيم»، وصار له السلطان على «العراق» و«خوزستان» و«البصرة»؛ وفى أيامه انتهى عصر نفوذ «آل بُوَيه» وصارت الخلافة العباسية خاضعة لنفوذ «السلاﭼقة».
الدولة السِّلـﭽُوقية
تُعد قبيلة «قِنِقّ» هى أصل «السلاجقة» الأتراك، التى هاجرت إلى أرض «الأناضول» حتى استقرت بعضًا من الوقت فى «جُرجان» و«طبرستان» حيث عمِلت فى خدمة «بيغو» الملك التركىّ؛ وكان متقدم أفرادها «سِلْـﭽُوق بن دُقاق» الذى ظهرت عليه علامات الذكاء الشديد فقدم للملك وخدم لديه حتى استطاع أن يصير قائد الجيش. وقد اتسم «سِلْـﭽُوق» بالقوة فضلاً عن طاعة أفراد القبيلة الكبيرة له وامتثالهم لأوامره ما أثار قلق الملك «بيغو» وخشى سطوته فبدأ يدبر لقتله؛ وعندما علم «سِلْـﭽُوق» بما يدبر له أسرع بالرحيل إلى مدينة «خُـﭽَنْدة» قرب «نهر سيحون» حيث تديّن بـ«الإسلام»، وبدأ فى شن الحروب على الأتراك الوثنيِّين فى مِنطَقة «تركستان». تُوُفّى «سِلْـﭽُوق» تاركًا ثلاثة بنين: «أرسلان» و«ميكائيل» و«موسى». وترك «ميكائيل» من الأولاد «يَبْغُو» و«طُغْريل بك» و«جَغْرو بك داود» الذين تنقلوا بين البلاد وحاربوا «الغَزنَويِّين» عددًا من المعارك الشديدة انتهت بانتصار السِّلْـﭼُوقيِّين وتمكُّن داود من الاستيلاء على «مِرو» ولقب بـملك الملوك، فى حين تمكن طُغْريل بك من الاستيلاء على مدن خُراسان وامتد نفوذه إلى عدد من البلاد؛ حتى وصل إلى مشارف العراق التى كانت تئن تحت وطأة الاضطرابات الشديدة. ويُذكر عن تلك الأحداث: «وكان (طُغْريل بك) قد دخل العراق بقوات كبيرة؛ فأرسل إليه الخليفة مستنجدًا مستغيثًا! وكانت أمنية (طُغْريل بك) أن يدخل (بغداد)، فأجاب طلب الخليفة... وفى الخامس والعشرين من شهر (المحرَّم) سنة 447هـ (1055م) دخل (طُغْريل بك) بغداد، وقبض على آخر سلاطين (بنى بُوَيه) وهو (الملقب) (الملك الرحيم)، وتولى إدارة الشُّؤون فى عاصمة الخلافة. وهٰكذا سقطت (الدولة البُويهية) وحلت محلها (الدولة السِّلـﭽُوقية) فى النفوذ والسلطان».. و... والحديث فى «مِصر الحلوة» لا ينتهى!.
* الأُسقف العام رئيس المركز الثقافى القبطى الأُرثوذكسى
نقلا عن المصرى اليوم