CET 00:00:00 - 06/02/2012

مساحة رأي

 بقلم: ماجد سمير


كان يوما مليئًا بالعمل الشاق الممتع شديد الإثارة، وكم أعتبر نفسي محظوظًا؛ لأني أعمل لساعات طويلة في مهنة البحث عن المتاعب، مهنة طالما سعيت لأن أمتهنها، مهنة جعلتني جزءًا من الثورة على الأقل كي أغطي أخبارها وأحداثها منذ 25 يناير 2011 وحتى الآن بصفتي مسئولاً عن التحرير في موقع "وطني نت".

اليوم بدأ مبكرًا جرس الموبايل لا ينقطع سواء من المحررين المتواجدين في ميدان التحرير الذي أصبح بؤرة أي حدث سياسي في مصر، تواجدهم في الميدان كان ضروريًا لمراقبة أحداث عام على ثورة 25 يناير، أو كان الإتصال من المراسليين المنتشرين في محافظات مصر المختلفة لتغطية ذكرى الثورة.


ووسط الزخم وتلاحق الأنباء الواردة من التحرير والمحافظات، أنطلق جرس الموبايل بإلحاح شديد، نظرت إلى الشاشة مستطلعًا الرقم الغريب غير المسجل على التليفون، ووسط محاولة تذكر الرقم وتخميني، نظرت لي زوجتي مستفسرة عن سبب عدم ردي السريع على المتصل، فأبتسمت وأجبت على الاتصال على الأقل لأيقاف الإزعاج الصادر من صوت الجرس الصاخب، جاء على الطرف الآخر صوت رقيق لسيدة تتأكد أني "ماجد" وقالت لي أنها مدام "مروة الحسيني" توقفت لحظات تذكرت خلالها أنها زوجة صديقي " إيهاب الحسيني" تعجبت بشدة لأنها المرة الأولى التي تتصل بي، رحبت بها وسألتها بقلق عن "ايهاب" فقالت: تعيش أنت


ألجمت الصدمة لساني ارتعدت شفتاي تحجرت عيناي ونزلت دموعي لم أستطع أن أقول لها سوى "ربنا يصبرك ...ربنا يصبرك...أغلقت الخط".


تذكرت "إيهاب" الذي أصيب بفيروس سي اللعين منذ ثلاث سنوات، لم يقصر فخضع لكل أنواع العلاج الممكنة، وتحسنت حالته في الفترة الأخيرة، واتفقت معه خلال اتصاله الأخير بي في عيد الغطاس – كعادته التي لم تنقطع في كل الأعياد- على لقاءنا القريب لتهئة صديقنا "وليد العدل" على افتتاحه مشروعه في منطقة العبور.


فيروس سي الملعون الذي "نهش" كبد "إيهاب" وغيره من الملايين نتاج سنوات من الإهمال والجهل والفقر، سنوات تعاني فيها مصر من عدو قاتل حتى بات المرض ينتقل بسهولة شديدة الخطورة، والغريب أن هناك من يحاسب "مبارك" ورجاله على خطايا 18 يوما فقط من 25 يناير 2011 حتى 11فبراير من نفس العام ناسيين أو متناسيين جرائم 30 عاما. فيروس سي بكل خطورته جريمة صغيرة جدا لا تذكر، بالمقارنة لجرائم أخرى أهمها تعمد تحويل المجتمع إلى مجتمع جاهل والمتعلم منهم لم يستخدم طوال فترة تعليمه أى قدرة عقلية غير الحفظ والصم.


أيقظني صوت زوجتي المتسائل عما حدث فأخبرتها بوفاة صديق عمري، صمتت لم ترد، لم يسبق لها لقائه لكنها سمعت عنه كثيرًا من خلال أحاديثي عن ذكرياتنا معًا، تركتها ودخلت حجرة النوم بكيت بشدة، مر أمامي شريط 27 سنة من الصداقة تذكرت اللقاء الأول في أول يوم دراسة بالجامعة لكلانا عندما كان "يركن" سيارته ولمس ساقي الايسر لمسة خفيفة ونظر لي قائلا : "إيه رأيك بدل مانتخانق نكون أصحاب ".


تذكرت إصراره على الإقامة في منزل جدته رحمها الله في شارع قصر العيني وتركه منزل أسرته في شارع الشيخ على محمود بمصر الجديدة حتى يكون قريب من اقامتي وقتها في المنيل، تذكرت أن إيهاب الذي قام بتربيته والده ثم زوج والدته " د. "الأحمدي الحسيني" رحمه الله الأستاذ بجامعة الأزهر لم نختلف يومًا؛ لأنه مسلمًا وأنا مسيحي، تذكرت محاضرات اللغة الفرنسية التي لايجيدها أيًا منا وقيامه بإختراع لغة تبدو وكأنها فرنسية لأول وهلة رغم عدم وجود أدنى علاقة - للغتنا الخاصة - بأهل ليون أو مارسيليا أو نانسي أو حتى باريس الواحات على حد تعبيره، تذكرت يوما ذهبنا مع شلة الجامعة لعيد ميلاد زميلتنا"نعمة شكرى" في منزلها بشارع جزيرة بدران بشبرا، يوم أن قمنا بدور كورس الغناء لوالدها "عم شكري" - الذي كان يعمل في تصليح الآلات الموسيقية – يومها غنى أغاني عبد الوهاب وفريد الأطرش مع عزف رائع على العود، تذكرت نظراته- عم شكري- لكلانا فور صدور أصوات "نشاز" من أي منا أثناء ردنا على غنائه الممتع.


تذكرت الرحلات ومبارايات كرة القدم واختلافنا كثيرًا لكونه أهلاويًا وأنا زمالكاويًا تذكرت أيام الامتحانات، وليالي المذاكرة، استمرت عيناي في إرسال الدموع بنفس السرعة، رن جرس الموبايل مرة أخرى كان أحد المحررين الذي أخبرني أن لديه أخبار عن محاكمة مبارك....الذي يعالج في المركز الطبي العالمي، بينما لا يجد ضحايا فيروس سي وبقية الأمراض التي نهشت في أجساد المصريين سرير للعلاج، نظرت للموبايل للاتصال برقم ايهاب ربما يكون الخبر خاطىء أو أصابني وساس قهري نتيجة الأرهاق الشديد من العمل المتواصل جاء الرد من الطرف الآخر :"الرقم مغلق أو خارج نطاق الخدمة ولا يمكن إرسال أي رسالة!!".

المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع
شارك بآرائك وتعليقاتك ومناقشاتك في جروبنا على الفيس بوك أنقر هنا
أعرف مزيد من الأخبار فور حدوثها واشترك معانا في تويتر أنقر هنا
  قيم الموضوع:          
 

تقييم الموضوع: الأصوات المشاركة فى التقييم: ٥ صوت عدد التعليقات: ٢ تعليق