هاني لبيب
الإصلاح الفكرى هو بداية الطريق لإجراء عملية إصلاح حقيقى، وهو البداية والرهان كما كتبت في مقال الأسبوع الماضى بعنوان: «الجانب الغائب عن الإصلاح». وأولويات ذلك الإصلاح هي إعادة الثقة بين المواطن والدولة.. فالدولة كيان قانونى له نطاق جغرافى محدد، يعيش فيه المواطنون، وتحكم علاقاتهم مع بعضهم أو مع جميع أشكال المؤسسات داخل الدولة من خلال قوانين محددة تستند لدستور هذه الدولة. والدولة بهذا الشكل هي كيان باقٍ ومستمر لا تتغير بتغير نظامها السياسى، كما أن الحكومة في نهاية المطاف هي الآلية التي تقوم الدولة من خلالها بممارسة سلطاتها حسب توجهاتها السياسية والاقتصادية، وهو ما يعنى أن الدولة هي الثابت أما النظام السياسى فهو المتغير، وهو الذي يخطئ ويصيب، وهو الذي يحتاج التقييم وتعديل المسار أو تغييره حسب التحديات.
ما حدث خلال الفترة الماضية هو استغلال بعض المشكلات وصعوبة التحديات الاقتصادية في توجيه سهام النقد إلى الدولة نفسها من جهة، والتشكيك في إنجازات الحكومة من جهة أخرى، وتصدير صورة ذهنية سلبية عما يحدث في المجتمع من خلال نشر الشائعات وتصديرها، إلى حد التعامل معها باعتبارها حقائق مجردة.
بكل تأكيد لدينا مشكلات مؤثرة سواء في عدم وجود حالة تفاعل سياسى حقيقى بسبب الأحزاب المتهالكة والأحزاب الكارتونية وأحزاب السلع التموينية، وبسبب حالة الإعلام غير المنضبطة سواء في عدم قدرته على التناول الموضوعى، أو الدفاع عن الثوابت، أو فشل تسويق الإنجازات والإيجابيات، أو الإخفاق في الرد على الشائعات الموجهة، وما يتواكب مع ذلك من حالة عدم وعى حقيقى في المجتمع.. تجعل أصحابها يميلون دائمًا إلى تصديق الأكاذيب لتبرير العديد من الإجراءات الحكومية.
الجديد في النظام السياسى المصرى، وبغض النظر عن الاتفاق أو الاختلاف معه، فالأكيد أن القدرة على صناعة القرارات الصعبة وتنفيذها بشكل عملى خلال مدة زمنية محددة وبسيطة ووفق خطة واضحة المعالم لتحقيق الإنجازات، وحل المشكلات الأزلية للبنية الأساسية في مصر من خلال طرح مشروعات حقيقية قابلة للتنفيذ العملى وليس إعادة إنتاج القديم منها لتحقيق نجاح وهمى للاستهلاك المجتمعى.. وهو ما يرسخ تدريجيًا حقيقة وجود قوى لمؤسسات الدولة من جهة، وارتباط ذلك بجهود فردية وجماعية ضخمة من جهة أخرى، فالعديد من القرارات والإجراءات التي تم اتخاذها بعد ثورة 30 يونيو كانت تمثل خطًا أحمر محظورًا الاقتراب منه منذ ثورة يوليو 52.
إعادة الثقة بين المواطن المصرى والدولة تحتاج وعيًا حقيقيًا يستند إلى ما يقدمه الإعلام ويرتكز على ما تقدمه الدراما من إبداع، وما يطرحه المثقفون والسياسيون من أفكار تكون هي المرجع والطريق للمستقبل، فلا يجوز أن تكون للنظام السياسى المصرى توجهات واضحة نحو بناء المجتمع المصرى بشكل يليق بقيمة مصر، دون أن تعمل القوى الناعمة الحقيقية التي تسهم في عملية الوعى بترسيخ حالة الثقة التي يعمل الكثيرون بجهد ودأب لطمسها.
نقطة ومن أول السطر..
إعادة الثقة بين المواطن المصرى والدولة هي الأساس لتقبل المجتمع جميع أشكال الإصلاح الفكرى'> الإصلاح الفكرى والسياسى والاقتصادى والاجتماعى، فالدولة هي الوطن، تلك القيمة المتفق عليها بعيدًا عن أي حسابات للخلاف والاختلاف.
نقلا عن المصرى اليوم