يشير سجل تركيا في سوريا إلى أنها تلجئ عقب السيطرة على أي منطقة الى إعادة تشكيل التركيبة السكانية فيها بشكل أساسي، عبر توطين الموالين لها، وطوال فترة الاحتلال المستمر لمدينة عفرين، لم تفعل تركيا أي شيء لمنع انتهاكات حقوق الإنسان الموثقة، بما في ذلك نزوح ما يزيد على 200 ألف من أكراد عفرين الأصليين. لا بل وأشرفت تركيا أيضاً على إعادة توطين العرب المشردين من أماكن أخرى في سوريا في منازل الأكراد الذين قامت صواريخها بتهجيرهم. لقد منحتهم تصاريح إقامة للبقاء في المنطقة ودعمت خطط توطينهم والاستيلاء على منازل وعقارات وأراضي الأكراد وسرقة محاصيلهم. وغضت النظر عن الانتهاكات الكثيرة من الخطف والتعذيب والقتل والاستيلاء من خلال القيام بذلك، فإنها صنعت حقائق ديموغرافية جديدة على أرض الواقع في منطقة كردية على مر التاريخ.
 
طالما تتحدث تركيا عن عزمها على إعادة غالبية اللاجئين السوريين البالغ عددهم 3.6 مليون لاجئ إلى وطنهم. قد يعني هذا إعادة توطين العرب السوريين في المناطق الكردية، كما حدث في عفرين، وذلك لتدمير أي منطقة ذات أغلبية كردية على مقربة من الحدود التركية.
 
تخطط تركيا لإعادة توطين حوالي 700 ألف لاجئ سوري في شمال شرق سوريا التي تقطنه أغلبية كردية بعد إنشاء المنطقة الآمنة. قد يكون هذا جزءاً من مشروع لتقليل وجود اللاجئين السوريين الذي لا يحظى بشعبية في تركيا وتغيير التركيبة السكانية في شمال شرق سوريا بشكل مشابه لحملة التعريب التي قادها البعثيون السوريون في ستينيات وسبعينيات القرن الماضي. لقد سعت تلك الخطة إلى إعادة احتلال المناطق ذات الأغلبية الكردية على الحدود السورية مع العرب لفصل أكراد سوريا عن أكراد تركيا والعراق، حيث كانت القومية الكردية في ازدياد.
 
عزمت الحكومة السورية إخراج الأكراد من منطقة على طول الحدود السورية مع تركيا بعمق تسعة أميال وعرض 174 ميلاً. لم تتحقق بالكامل قط، على الرغم من أن العديد من الأكراد تم اقتلاعهم قسراً وإعادة توطين حوالي أربعة آلاف عائلة عربية في أراضيهم.
 
ربما ترى تركيا المنطقة الآمنة خطوة أولى لبناء "حزام عربي" مماثل على طول الحدود. تركيا تريد منطقة بعمق 20 ميلاً تمتد عبر الحدود بأكملها، ومنطقة بهذا الحجم تشمل جميع المدن الرئيسية في كردستان السورية، والتي يقع العديد منها بالقرب من الحدود التركية، حيث اعترف الرئيس التركي في لقاء اجرته معه قناة TRT بأن هذه المناطق أي "كردستان سوريا" لا تناسب بيئتها الاكراد، فهي بيئة صحراوية تناسب العرب.
 
تركيا تسابق الوقت لتوطين عوائل المسلحين الذين تدعمهم:
أرسلت تركيا أوامر داخلية، للمجموعات المسلحة الموالية لها والمعروفة باسم “الجيش الوطني” طالبة منهم تسليم قوائم بأسماء قتلاهم ضمن عملية “نبع السلام”، بهدف منح عائلاتهم تعويضات مالية والجنسية التركية، ومنازل في منطقتي تل أبيض ورأس العين على غرار ما حصل خلال العمليات المشتركة السابقة بين الطرفين” درع الفرات، غصن الزيتون”.
 
مصدر أكد إنَّ تركيا كانت تجمع أسماء القتلى من البداية، ولكنها وجهت تعليماتها إلى قادة الفصائل لإرسال أسماء القتلى وأوراقهم الثبوتية للجانب التركي.
 
وبحسب المصدر فإنَّ الأعداد الأولية تشير إلى 380 قتيل من عناصر الفصائل الذين سقطوا بمعارك “نبع السلام” موثقين واستلمت تركيا أوراقهم الثبوتية.
ولفت المصدر إلى أنَ التجنيس يكون في المقام الأول لزوجة وأولاد عنصر القتيل، وفي حال كان أعزبًا، يحصل والديه وأخوته الغير متزوجين على الجنسية التركية.
 
وفي سياق الحديث عن “نبع السلام”، أفاد المصدر بأنَّ تركيا وبالتنسيق مع فصائل المعارضة الموالية بدأت بتسيير رحلات للعائلات من مناطق شمالي حلب “درع الفرات، غصن الزيتون”، عبر معبر جرابلس ثم إلى ولايتي قرقميش وأورفا التركيتين، ومنهما إلى رأس العين عبر المعبر العسكري الذي افتتحه الجيش التركي خلال المعارك وأن السلطات التركية تمنح تسهيلات كبيرة وتعرض اغراءات لكل راغب في الانتقال إلى منطقتي تل أبيض ورأس العين وتغض الطرف هناك عن عمليات استيلاء المسلحين وذويهم على منازل الأكراد ومنازل العرب المتحالفين مع الأكراد.
 
ونوه المصدر إلى أنَّ العائلات التي تصل إلى رأس العين هدفها من الوصول إلى المنطقة هو الاستيطان فيها، حيث بلغ عدد الرحلات منذ إطلاقها 3 رحلات.
 
عائلات تصل
وبالفعل وصلت 90 عائلة الخميس، من مناطق جرابلس والباب واعزاز شمال مدينة حلب، إلى مدينة تل أبيض بمحافظة الرقة شمالي شرقي سوريا، بعد مرورها عبر الأراضي التركية. ودخلت إلى مدينة تل أبيض من المعبر الحدودي ترافقها شاحنات تحمل أثاث منازل هذه العوائل.
 
وسبق أن وصلت عشرات العوائل الخميس 21 تشرين الثاني 2019، من شمالي محافظة حلب، إلى مدينة تل أبيض بعد مرورها عبر الأراضي التركية.
 
اتهامات لتركيا بارتكاب جرائم حرب:
أعلنت منظمة "هيومن رايتس ووتش" أنّ فصائل ما يسمى بـ "الجيش الوطني السوري"، وهي فصائل سورية مسلحة تدعمها تركيا، تتورط في انتهاكات من بينها إعدامات خارج القانون، ومنع عودة العائلات الكردية النازحة ونهب ممتلكاتها.
 
وحضت المنظمة ومقرها نيويورك تركيا والجهات المتحالفة معها في سوريا على التحقيق في "انتهاكات لحقوق الإنسان تشكل جرائم حرب محتملة" في المنطقة التي تمتد بعمق 30 كلم داخل الأراضي السورية.
 
ونقل البيان عن سارة ليا ويتسن، مديرة قسم الشرق الأوسط في المنظمة، القول إن "الإعدامات، ونهب الممتلكات، ومنع عودة النازحين إلى ديارهم هي أدلة دامغة على أن "المناطق الآمنة" المقترحة من تركيا لن تكون آمنة".
 
وأضافت: "خلافا للرواية التركية بأن عمليتها ستنشئ منطقة آمنة، فإن الجماعات التي تستخدمها لإدارة المنطقة ترتكب انتهاكات ضد المدنيين وتميز على أسس عرقية".
 
ولفتت ويتسن إلى أن "تركيا تتغاضى عن السلوك المشين الذي تظهره الفصائل التي تسلحها"، وأنه " طالما تسيطر تركيا على هذه المناطق، فإن عليها تحمل مسؤولية التحقيق في هذه الانتهاكات ووقفها".
 
وأضافت المنظمة إن المقاتلين المدعومين من تركيا لم يفسروا اختفاء عمال إغاثة أثناء عملهم في "المنطقة الآمنة"